اعتمدت إمارة الشارقة في دولة الإمارات تغيير نظام العمل الأسبوعي في 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، ليصبح أربعة أيام عمل تماشياً مع رؤية الدولة، وذلك ابتداءً من يوم الاثنين وحتى يوم الخميس، وتحديد عطلة نهاية الأسبوع أيام الجمعة والسبت والأحد.
وزيرة الدولة للتطوير الحكومي والمستقبل في الإمارات العربية المتحدة، عهود الرومي، قالت خلال جلسة حوارية عن أسبوع العمل من 4 أيام في المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 2022، "ظلت عيني على ذلك [أي اعتماد أسبوع عمل من 4 أيام] لسنوات عديدة، نظراً إلى دوري السابق كوزيرة دولة للسعادة في حكومتي. ورأيت أن هناك العديد من التجارب حول العالم منذ عام 2008، ولكن شيئاً ما تغير في العامين الماضيين".
وتابعت: "كما أعتقد، قد يكون هذا جزءاً من تأثير جائحة كوفيد-19، إذ مر الناس بتغييرات كبيرة، فعملوا من المنزل، ما انعكس على الخط الفاصل بين الحياة الشخصية والمهنية فأصبح غير واضح، وبعد ذلك عندما بدؤوا في العودة إلى مؤسساتهم، كان هناك المزيد من الطلب على المرونة والرفاهية والنقاش حول الصحة العقلية، وكذلك المزيد من التوتر بين العمل عن بعد والعمل البدني".
وأضافت: "أرى المزيد من الالتزام بالتنفيذ في جميع أنحاء العالم في القطاع الخاص بدلاً من الحكومات، ويمكنني أن أفهم أنه نظراً لأن الحكومات عادة ما تكون بطيئة بالتنفيذ، فإن لديها أنظمة صارمة. أعتقد أننا في الإمارات العربية المتحدة نصنع حكومة المستقبل. نحن دائماً نتخطى الحدود ولا نخشى تجربة أشياء جديدة. وربما نكون أول دولة في العالم تضع أسبوع العمل لمدة 4 أيام قيد التنفيذ".
"على مستوى الحكومة، يتم منح الموظفين المرونة للعمل عن بُعد، أو إدارة ساعات عملهم في أوقات مرنة. جاء هذا القرار لعدة أسباب؛ أولاً، تعزيز الرفاهية. ثانياً، تقوية الروابط الأسرية والعلاقات المجتمعية لأن الناس سيكون لديهم المزيد من الوقت لرعاية أسرهم سواء كانوا رجالاً أم نساء، وسيكون لديهم المزيد من الوقت للأنشطة الترفيهية. وثالثاً، سبب اقتصادي، لأنه عندما يكون لدى الناس عطلة نهاية أسبوع أطول، يمكنهم إنفاق المزيد وهذا سيفيد القطاعات المحلية، وأيضاً للتوافق بشكل أفضل مع الأسواق العالمية"، حسب الرومي.
وفي 31 يناير/كانون الثاني 2023، اطلع ولي العهد نائب حاكم الشارقة رئيس المجلس التنفيذي، الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، على دراسة تقيّم أثر نظام العمل بالأسبوع من 4 أيام الذي طبقته الإمارة.
وقد أجريت الدراسة وفق عدد من المحاور الرئيسية، وعلى قطاعات متعددة، وشملت قياس التجربة من المستوى القيادي كرؤساء ومدراء الجهات الحكومية، ومن موظفي حكومة الشارقة، ومن متعاملي الجهات الحكومية.
زيادة الإنتاجية والتزام الموظفين
من أبرز نتائج الدراسة من جانب المستوى القيادي، كانت زيادة إنتاجية الموظفين في 88% من الجهات، و81% زيادة التواصل الإيجابي بين الموظفين، و61% زيادة في معدل تقديم الخدمات الإلكترونية الحكومية في غير ساعات العمل الرسمي، و74% ارتفاع نسبة الالتزام بالحضور، و76% ارتفاع في عنصر الابتكار والإبداع، و46% انخفاض في معدل الإجازات المرضية.
وعلى مستوى الموظفين توصلت الدراسة إلى ارتفاع بنسبة 90% في معدل الرضا الوظيفي، و90% تحسن في الأداء الوظيفي، و91% الشعور بالسعادة بشكل عام بعد تطبيق النظام الجديد، و87% تأثير إيجابي على الصحة النفسية، و84% يحقق النظام التوازن بين الحياة العملية والأسرية، و96% زيادة في الاستمتاع بالعطلة الأسبوعية، و70% زيادة نسبة المشاركة في المناسبات الاجتماعية، و62% زيادة الفرصة في ممارسة الرياضة والهوايات الخاصة، و74% زيادة الشعور بملاءمة بيئة العمل لساعات العمل الجديدة، و59% زيادة فرص التفرغ لمتابعة المشاريع التجارية الخاصة، و52% زيادة في فرص استكمال التعليم.
أما على مستوى متعاملي الجهات الحكومية، فقد أشارت الدراسة إلى شعور المتعاملين بمعدل رضا عن جودة الخدمات وأداء الموظفين بشكل عام بنسبة 94%، ورضا المتعاملين عن تعاون الموظفين في تلبية احتياجاتهم بنسبة 93%، وعدم تأثر حصول المتعاملين على الخدمات بنسبة 86%، وشعور المتعاملين بالرضا عن سرعة الاستجابة والحصول على الخدمات بنسبة 85%.
وقد تواصلت فورتشن العربية مع عدد من الجهات في الإمارة لتقييم هذه التجربة وفعاليتها واحتمالات تطبيقها بالنسبة للقطاع الخاص، وحتى في الإمارات ككل.
يقول مدير مكتب الشارقة الرقمية (SDO)، الشيخ سعود بن سلطان القاسمي، في حديثه مع فورتشن العربية: "نود أن نشيد بالمفهوم المبتكر لأسبوع العمل لمدة 4 أيام. ففي الوقت الحاضر، وإذ يتقدم العالم الرقمي بسرعة، من الضروري أن نواكب العصر ونكيّف ممارسات العمل لدينا مع تغيرات البيئة. يعد تنفيذ نموذج أسبوع العمل لمدة 4 أيام خطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف".
ويضيف: "أحدثت الرقمنة ثورة في طريقة عملنا، إذ حطمت الحواجز التقليدية وسمحت بذلك زيادة المرونة في جداولنا. يستفيد أسبوع العمل من 4 أيام استفادة كاملة من هذا، ما يوفر للموظفين يوماً إضافياً للراحة واستعادة النشاط، فضلاً عن فرصة لمتابعة الاهتمامات والأنشطة الشخصية. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى مستويات أعلى من الرضا الوظيفي والإنتاجية".
ويشرح القاسمي أنّ أسبوع العمل لمدة 4 أيام لديه أيضاً تأثير إيجابي على البيئة، إذ يشجع الموظفين على أخذ المزيد من الإجازات ويقلل من عدد الأيام التي يقضونها في الانتقال إلى العمل. هذا يمكن أن يساعد في تقليل الازدحام المروري والتلوث، "ما يجعل مدننا ومجتمعاتنا أكثر ملاءمة للعيش". ويختم حديثه قائلاً: "أسبوع العمل لمدة 4 أيام هو نهج مبتكر وتفكير مستقبلي للعمل الذي يحتوي على إمكانية إفادة كل من الموظفين والمجتمع ككل. نتطلع إلى العمل مع القطاع الخاص وبقية الإمارات لاستكشاف السبل التي يمكن من خلالها تنفيذ هذا النموذج ومزيد من الدعم".
وتقول مديرة قطاع الاتصال والعلاقات العامة في أكاديمية العلاقات العامة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ريم مسودة، لفورتشن العربية: "كان لهذا النهج المبتكر في العمل تأثير كبير على صناعة الاتصالات، وكذلك على رفاهية الموظفين بشكل عام. فقد حقق أسبوع العمل لمدة 4 أيام نجاحاً كبيراً من حيث تحسين التوازن بين العمل والحياة للموظفين. مع الحصول على يوم عطلة إضافي كل أسبوع، تمكن العمال من إدارة أعباء العمل بشكل أفضل، ما أدى إلى زيادة الرضا الوظيفي وتقليل مستويات التوتر. ساعدت المبادرة أيضاً في تعزيز ثقافة مكان العمل الأكثر دعماً وشمولية، حيث يشعر الموظفون بمزيد من التقدير.
وتدير الأكاديمية العلاقات العامة لعدد كبير من المؤسسات الحكومية والخاصة في الشارقة، لم تفضل مسودة الإفصاح عنها. وتضيف في حديثها: "كانت تجربة أسبوع العمل لمدة 4 أيام إيجابية أيضاً من منظور الإنتاجية والكفاءة. من خلال تكثيف أسبوع العمل، كان الموظفون قادرين على التركيز بشكل أكبر على مهامهم وإكمال المشاريع بشكل أسرع وبنتائج أفضل. كما أتاح يوم العطلة الإضافي كل أسبوع للعمال إعادة شحن "بطارياتهم" (أي طاقاتهم)، ما أدى إلى زيادة مستويات الطاقة والتحفيز". وتختم: "من المرجح أن يكون لنجاح أسبوع العمل لمدة 4 أيام في الشارقة تأثير مضاعف في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يلاحظ القطاع الخاص فوائد هذا النهج المبتكر في العمل، ومن المرجح أن يتبناها القطاع الخاص في المستقبل".
تجربة شركة ناشئة
المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا في شركة سبيسي (Spacee) الأميركية المتخصصة في تحليل البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي، حليم الرومي، يقول لفورتشن العربية: "كشركة أميركية تتخذ من الشارقة مقراً لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان لنا شرف مراقبة تأثير مبادرة أسبوع العمل في الشارقة لمدة 4 أيام. وبالمقارنة مع أسبوع العمل التقليدي لمدة 5 أيام في الولايات المتحدة، أثبت هذا النموذج نجاحه بالنسبة للشركات الناشئة مثل شركتنا. فقد تحسّنت رفاهية الموظفين، وأظهرت الحكومة مرونة وفعالية في تنفيذ ذلك البرنامج".
ويضيف: "من منظور الأعمال التجارية، سمح لنا أسبوع العمل لمدة 4 أيام بالمحافظة على الإنتاجية، وتزويد موظفينا بتوازن أفضل بين العمل والحياة، وقد أدى ذلك إلى زيادة حماسهم للعمل. وكان التزام الحكومة بهذه المبادرة عاملاً في قرار إنشاء مقرنا الرئيسي في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا في الشارقة. إنه لأمر مشجع أن نرى الآثار الإيجابية لهذه المبادرة، والأرجح أن ذلك سيتم تبنيه من قبل القطاع الخاص، وربما الإمارات ككل فى المستقبل. يعد نموذج أسبوع العمل لمدة 4 أيام خطوة تقدمية نحو تحسين نوعية الحياة للموظفين وتعزيز توازن صحي بين العمل والحياة".