أدلى مستثمر بارز في مجال التكنولوجيا مؤخراً بتصريحات فاقمت مخاوف أولئك الذين يشعرون بالقلق من حلول الذكاء الاصطناعي محل العمالة البشرية في السنوات المقبلة.
قال مؤسِّس شركة ألتيميتر كابيتال (Altimeter Capital) للاستثمار ورئيسها التنفيذي، براد غيرستنر، في حلقة يوم الاثنين من بودكاست آرت أوف إنفستنغ (Art of Investing): "سيشهد تاريخ الرأسمالية أكبر موجة لإحلال الآلات محل العمالة البشرية. ستحدث زعزعة هائلة تسبّب الكثير من الغضب في أوساط سوق العمل، وسيشعر الكثيرون بالتهميش في ظل النظام الجديد".
وبدلاً من السيناريو الذي ينطوي على لجوء الشركات إلى تسريح نصف قوتها العاملة فجأة، يتوقع غيرستنر أن يؤثر الذكاء الاصطناعي تدريجياً على عملية التوظيف.
وأضاف: "سيعني هذا أن معدل تعيين الموظفين سيشهد تباطؤاً ملحوظاً في الشركات مقارنة بالأوضاع السائدة خلال الأعوام العشرين الماضية". أوضح غيرستنر هذه النقطة بمثال قائلاً: "إذا كان لديك تحسُّن بنسبة 50% في إنتاجية مهندسيك، وكنت تعمل على الوصول بإجمالي النمو في شركتك إلى نسبة 20% مثلاً، فلن تحتاج إلى توظيف مهندسين جدد".
تجدر الإشارة إلى أن شركة ألتيميتر تستثمر في كلٍّ من الشركات الخاصة والمساهِمة في مختلف دول العالم، ومن أبرز استثماراتها في رأس المال المغامر شركة زيللو (Zillow) المتخصصة في التكنولوجيا العقارية، وشركة بايت دانس (ByteDance) الصينية المعروفة بإطلاقها منصة تيك توك، وشركة سنو فليك (Snowflake) لتخزين البيانات على السحابة الإلكترونية وإجراء التحليلات المحوسبة للشركات.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أثار غيرستنر ضجة بتوجيه انتقادات حادة لشركة ميتا، الشركة الأم لمنصة فيسبوك، التي تمتلك شركته ملايين الأسهم فيها، حيث قال في رسالة مفتوحة إن الشركة فقدت تركيزها ويجب عليها تقليل عدد موظفيها واستثماراتها في مشروع ميتافيرس. بعدها بقليل، سرّحت شركة ميتا أكثر من 11,000 موظف، تبعت ذلك عمليات تسريح العاملين بمعدلات أكبر. (ارتفعت أسهم ميتا بأكثر من 200% هذا العام).
الجدال حول أثر الذكاء الاصطناعي على الوظائف
يتناقض موقف غيرستنر بشأن الذكاء الاصطناعي والوظائف مع موقف الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا (Nvidia)، جينسن هوانغ، الذي يصف شركته بأنها "في خطر دائم" على الرغم من قيمتها السوقية البالغة 1.2 تريليون دولار وتعمل في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية لمنتجات الذكاء الاصطناعي وكان عمالقة التكنولوجيا يتسابقون للاستحواذ عليها هذا العام. ويرى هوانغ أن أثر الذكاء الاصطناعي سيؤدي عموماً إلى خلق فرص عمل تفوق تلك التي سيتسّبب في فقدانها.
وقال مؤخراً في بودكاست أكويرد (Acquired): "أرى أن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى توليد فرص عمل؛ فالرخاء الاقتصادي هو أول ما يحدث عند زيادة الإنتاجية. وعندما تحقق الشركات المزيد من النجاح، سوف توظف المزيد من الأشخاص؛ لأنها تريد التوسع في المزيد من المجالات".
وأضاف هوانغ إن أحد أساليب التفكير الشائعة هو أن نجاح الشركة في تحسين إنتاجيتها باستخدام الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى إحجامها عن توظيف العاملين؛ لكنه أشار إلى أن هذا يفترض أن الشركة لن تكون لديها أفكار جديدة، و"هذا ليس صحيحاً في معظم الشركات".
قد يسهم الذكاء الاصطناعي أيضاً في تسهيل إطلاق الشركات بأقل عدد ممكن من العمالة البشرية، ما يؤدي بدوره إلى ظهور المزيد من رواد الأعمال. قال الرئيس التنفيذي لشركة سوشيال كابيتال (Social Capital) لرأس المال المغامر في وادي السيليكون، تشاماث باليابيتيا، مؤخراً في بودكاست أول إن (All-In): "يبدو من المعقول والمنطقي جداً أن تؤدي مكاسب إنتاجية الذكاء الاصطناعي إلى ظهور عشرات أو مئات الملايين من الشركات الناشئة التي يعمل بها فردٌ واحدٌ أو اثنان فقط.
وجادل غيرستنر بأن التغيّر الجذري في المشهد الاقتصادي بسبب ظهور الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى وجود فائزين وخاسرين لا محالة. وأشار إلى أن هذا حدث من قبل مع ظهور التكنولوجيات الجديدة.
وقال: "عندما انتقلنا من الخيول إلى السيارات، خرجت من سوق العمل أعداد غفيرة ممّن يعملون في مجال إصلاح حدوات الخيول وصناعة العربات التي تجرها الخيول. كان عليهم أن يجدوا طريقة للتأقلم مع الواقع المستجد".
العثور على مزايا الذكاء الاصطناعي
أضاف غيرستنر إن دور شركته في استثمارات رأس المال المغامر سمح لها مؤخراً بالتعرُّف إلى الشركات المساهمة المؤهَّلة للازدهار بالاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن شركة ألتيميتر كابيتال عاشت أفضل سنواتها على الإطلاق في الأسواق العامة.
لاحظت الشركة أن المشاريع كانت تنفق بسخاء على رقائق إنفيديا الإلكترونية لمنتجات الذكاء الاصطناعي باهظة الثمن، فضلاً عن الحاجة إلى "تخزين هذا القدر الضخم من البيانات في السحابة الإلكترونية" حسب وصفه. أدت هذه العوامل إلى حرص الشركة على تعزيز محفظتها الاستثمارية العامة بأسهم شركات مثل إنفيديا ومايكروسوفت وأمازون وسنو فليك، إلى جانب "إدراك أن هذه التشكيلة ستضم أيضاً حفنة من الشركات الخاسرة".
لم يحاول غيرستنر اللّف والدوران في حديثه عن الأثر السلبي الذي قد يحدثه الذكاء الاصطناعي على الكثير من الشركات والأفراد؛ إذ قال: "لا تتوزّع فوائد التقدم البشري بالتساوي في كل الأوقات. من المهم أن نفهم أن هناك خاسرين في لعبة التقدم البشري".
على الرغم من ذلك، يعتبر نفسه "أميركياً متفائلاً" ولا يعتقد أن أفضل سنوات الولايات المتحدة قد ولّت بلا رجعة. ويبذل حالياً مساعيه لإقرار برنامج تشريعي يسمى "استثمر في أميركا" (Invest America) يقضي بإنشاء الحكومة الفيدرالية حساباً استثمارياً خاصاً بقيمة 1,000 دولار لكل طفل يولد في الولايات المتحدة.
وقال إنه في الوقت الذي تتزايد فيه فجوة الثروة، من شأن مثل هذه الحسابات أن تحفّز الشباب الأميركيين على المشاركة في النظام الرأسمالي وزيادة وعيهم بالثقافة المالية وجني فوائد الاستثمار ومراكمة الفائدة في حياتهم الخاصة. وأضاف إن السبب الآخر الذي يعزز اعتقاده بأن مثل هذا البرنامج سيكون مهماً هو إحلال الآلات محل الموظفين الذي سيسببه الذكاء الاصطناعي.
يقول غيرستنر: "إذا كانوا سيعانون من الجانب السلبي للذكاء الاصطناعي، فعليهم أيضاً أن يستفيدوا من بعض جوانبه الإيجابية".