تنفق الحكومات حول العالم مبالغ قياسية على الدفاع والأسلحة، وذلك في ظل تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وزيادة تعقيد الظروف الجيوسياسية التي تدفع الدول إلى تعزيز ترساناتها الحربية.
فقد زاد الإنفاق العالمي على الدفاع بنسبة 3.7% في عام 2022، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Stockholm International Peace Research Institute)، وهو مركز أبحاث يتتبع الإنفاق على الأسلحة.
وكان نصف هذه الزيادة مرتبطاً بنمو قدره 640% في الإنفاق العسكري لدى أوكرانيا التي عزّزت قدراتها المسلحّة بسرعة لمواجهة الغزو. وتعد هذه الزيادة أكبر زيادة سنوية بالإنفاق العسكري في بيانات معهد ستوكهولم التي تعود حتى عام 1949، ولا تتضمن المساعدات العسكرية التي أرسلتها الحكومات الأجنبية إلى البلاد والتي بلغت قيمتها مليارات الدولارات. كما زاد الإنفاق العسكري الروسي وفقاً لتقديرات المعهد بنسبة 9.2% في عام 2022، وما تزال روسيا تنفق أكثر مما تنفقه أوكرانيا بنسبة 60%.
ولا يتعلق موضوع زيادة الإنفاق بأوكرانيا فقط، إذ زادت البلدان في جميع أنحاء أوروبا إنفاقها على الدفاع. فقد ارتفع الإنفاق الأوروبي بنسبة 13.4%، مع الأخذ بعين الاعتبار الزيادة في أوكرانيا، وقفز الإنفاق في أوروبا الشرقية على وجه التحديد بنسبة 57.8%. وبلغت زيادة الإنفاق العسكري في فنلندا الجارة لروسيا 35% العام الماضي، وذلك بعد أن أقرّت البلاد شراء طائرات من طراز إف-35 (F-35) بقيمة 9.4 مليارات دولار في فبراير/شباط الماضي في الأسابيع التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا. ويُذكَر أن فنلندا قد انضمت إلى حلف الناتو لتصبح أحدث عضو في الحلف في 4 أبريل/نيسان الحالي.
ويدعو القادة الأوروبيون الآن إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في أعقاب الغزو الروسي، حيث تكافح المنطقة لتجديد مخزوناتها بعد تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا. وعاد الإنفاق العسكري في أوروبا الغربية والوسطى الآن إلى ما كان عليه عام 1989 في نهاية الحرب الباردة وفقاً لشبكة بلومبرغ.
ومن المرجح أن يستمر الإنفاق بالزيادة، إذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب ألقاه في يناير/كانون الثاني الماضي إن بلاده ستخصّص 448 مليار دولار للإنفاق الدفاعي في الفترة بين عامي 2024 و2030، وذلك بزيادة 40% عما خصّصته فرنسا بين عامي 2019 و2025.
ومع ذلك، فإن قطاع الأسلحة في أوروبا يكافح للحاق بركب الطلب، ما قد يفسح المجال لأطراف جدد في السوق مثل كوريا الجنوبية التي تتميز بقدرة على تسليم الأسلحة بشكل أسرع. وفي حين أن سياسة كوريا الجنوبية لا تسمح حالياً بتقديم المساعدة العسكرية إلى البلدان التي تشهد صراعات حالية، مثل أوكرانيا، أعرب الرئيس الكوري الجنوبي عن استعداده لتقديم استثناء لكييف.
التوترات في آسيا
الحرب في أوكرانيا ليست مصدر القلق الوحيد، إذ إن التوترات الجيوسياسية في آسيا، ولا سيما ذات الصلة بالصين، تدفع أيضاً إلى زيادة الإنفاق العسكري لدى القوى الآسيوية العظمى.
فقد رفعت الصين، التي تعتبر الأولى من حيث الإنفاق على الدفاع في المنطقة، إنفاقها على الجيش بنسبة 4.2% في عام 2022.
كما ازداد الإنفاق العسكري الياباني بنسبة 5.9% في عام 2022 وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ومن المرجح أن تزداد نفقات الدفاع بعد أن كشفت طوكيو عن استراتيجية أمنية جديدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ تعهدت اليابان بتخصيص ما لا يقل عن 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق على الدفاع بحلول السنة المالية 2027 بارتفاع من المخصصات الحالية البالغة نحو 1%، وصنّفت الصين على أنها أكبر تحدٍّ أمني لها.
وقفز الإنفاق العسكري الهندي أيضاً بنسبة 6% في عام 2022، إذ تحاول البلاد تحديث جيشها، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف بشأن الصين في أعقاب الاشتباكات العنيفة على الحدود بين البلدين في عام 2020.
وكتب كبير الباحثين في عهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، نان تيان، في بيان إن "الارتفاع المستمر في الإنفاق العسكري العالمي في السنوات الأخيرة هو علامة على أننا نعيش في عالم يعاني انخفاضاً مستمراً في الأمان".
لكن في الوقت نفسه، سبّبت الحرب في أوكرانيا قيوداً على الإنفاق العسكري بطرقٍ أخرى، إذ لطالما تعاونت الهند مع روسيا لتطوير أسلحتها وإنفاقها، لكن العقوبات المالية على موسكو أدّت إلى تأخير المدفوعات وتسليم الأسلحة لمدة تصل إلى عام. وتفكّر الهند حالياً في استخدام اليورو أو الدرهم الإماراتي لدفع ثمن الأسلحة الروسية وفقاً لتقارير شبكة بلومبرغ.