يولي الموظفون من جيل الألفية والجيل زد أهمية خاصة للتوازن بين العمل والحياة، لكنهم من جهة أخرى يعيشون حالياً في عالم يسوده التضخم المرتفع والضائقة المالية لدرجة أن تحقيق الاستقرار المالي يكاد يكون مستحيلاً. وعلى الرغم من أن العمل قد لا يكون الخيار المفضل لهم، لكن الكثير منهم مضطرون للعمل بجهد أكبر مما كان يفعله أهاليهم لعيش نمط الحياة نفسه، وهذا يصعّب عليهم إنفاق أموالهم أو استثمارها فيما يرغبونه عندما يتعلق الأمر بتحقيق ذلك التوازن المنشود.
وهذا ما كشفه استقصاء عالمي من شركة ديلويت (Deloitte) شمل 22,000 موظف من جيل الألفية والجيل زد قالوا إن التوازن بين العمل والحياة هو السمة الأولى التي تثير إعجابهم في أقرانهم، وإنه أهم ميزة عند اختيار الشركة التي سيعملون بها؛ فهو أهم من التعلّم وإمكانية التطوّر والأجر. ويبدو أن هذه النتائج تتعارض مع النتائج الأخرى التي توصلت إليها شركة ديلويت، والتي تنص على أن ما يقرب من نصف الجيل زد (نحو 49%) و62% من جيل الألفية يقولون إن وظيفتهم ما تزال عاملاً أساسياً لإحساسهم بالهوية، وتحلّ في المرتبة الثانية بعد أسرهم وأصدقائهم، لكنها أهم من الهوايات والموسيقى وممارسة التمارين الرياضية. وعلى الرغم من ذلك كلّه، قد يكون من الصعب فعلياً فصل العمل عن الهوية عندما تقضي كامل وقتك في العمل لتغطية نفقاتك.
تقول الرئيسة التنفيذية العالمية لقسم شؤون الموظفين وغاية الشركة في شركة ديلويت، ميشيل بارميلي: "ما زال الجيل زد وجيل الألفية يفضّلون التوازن بين العمل والحياة على الرغم من التحديات، لكنهم يكافحون من أجل تحقيق ذلك"، موضحةً أن عدم اليقين الاقتصادي يؤدي إلى تفاقم التحديات. وأفاد المشاركون في الاستقصاء من هذين الجيلين أنهم قلقون من أن يعيق تدهور الظروف الاقتصادية تحقيق أهدافهم الخاصة بالتوازن بين العمل والحياة.
وأضافت بارميلي إن الموظفين، وخاصة الشباب منهم، قد وجدوا أنفسهم مع بداية الجائحة في حالة تقرير مصير دفَعتهم إلى إعادة التفكير بدور العمل في حياتهم. وقد أدّى استياء الموظفين من العمل والرأسمالية بشكل عام إلى نشوء حركة رفض العمل التي حملت اسم (#antiwork)، إذ لم تكن الأجور ترتفع بمعدل كافٍ لتغطية نفقات الحياة كافة. واتُّهِمت الأجيال الشابة بالتسبُّب في ظهور الاستقالة الصامتة، وهي بذل أقل مجهود ممكن في وظائفهم التي غالباً ما كانت أجورها أقل من اللازم، وهذا يعني مجرد الاستمرار في أداء عملهم دون بذل أي جهد إضافي.
لكن في الواقع، من غير المرجح أن يتصرفوا بصورة مماثلة لما سبق عند القلق بشأن استقرارهم المهني والمالي، إذ يواجه كل من جيل الألفية والجيل زد تضخماً حقيقياً لأول مرة في حياتهم، وهم أكثر عرضة لخطر التأثّر بالتقلبات الاقتصادية العامة نظراً لأنهم في بداية حياتهم المهنية وبرواتب منخفضة، ولم تكن أمامهم فرص وفيرة لتجميع الثروة مثل الأجيال الأكبر سناً.
ووجدت شركة ديلويت أنه مع اقتراب مخاوف الركود وتجاوز التضخم الأجور، بدأ العديد من الموظفين وظائف جانبية ثانية أو ثالثة للنجاة في ظل هذه الظروف الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، أوضح بعض المشاركين أنهم عملوا خارج الأوقات الرسمية، إذ قال 7 من كل 10 مشاركين إنهم استجابوا لرسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل خارج ساعات العمل العادية مرة واحدة على الأقل في الأسبوع. وتتزايد رغبة الكثيرين في خيارات العمل بدوام جزئي للحفاظ على التوازن بين العمل والحياة، لكن معظمهم قالوا إنه ليس خياراً ممكناً لأنهم لا يستطيعون تحمُّل خفض الأجور الذي قد يرافق ذلك.
ويتراجع المسؤولون التنفيذيون مؤخراً عن الامتيازات وترتيبات العمل المرنة التي منحوها للموظفين خلال الجائحة بذريعة خفض التكاليف والعودة إلى المكتب، وذلك بحجة أن الموظفين الذين يعملون في المكاتب يكونون أكثر إنتاجية، وبالتالي يسهمون في زيادة صافي أرباح الشركة للتجهّز في حال حدوث ركود. ونظراً لأن الموظفين الأصغر سناً يعانون من تراجع التوازن بين العمل والحياة الذي كانوا يعملون لتحقيقه منذ بداية الجائحة، فقد وجدوا أنفسهم عالقين في ظروف يسوء فيها كل شيء حتى ذلك التوازن.
ويشعر البعض بالقلق من إمكانية زيادة صعوبة طلب المرونة في العمل وتحسين التوازن بين العمل والحياة في حال تفاقم الوضع الاقتصادي، إذ قال ثلث المشاركين في الاستقصاء إنه سيكون من الصعب تحسين التوازن، وقالت 15% إنه سيكون مستحيلاً. وتقول بارميلي: "يمكن للشركات والمؤسسات المساعَدة في تخفيف هذه التحديات من خلال توفير بيئات عمل أكثر مرونة، وذلك من ناحية مكان عمل الموظفين وزمانه في آن معاً، وهو ما يعد جذّاباً للغاية لهذه الأجيال".
وفي نهاية المطاف، قد تبحث الأجيال الشابة عن مزيد من الفوائد والمزايا في الشركات التي تعمل بها، لكن الوضع الحالي للاقتصاد لا يلبّي توقعاتهم بالضرورة.