تواجه الشركات اليوم عشرة تحولات لافتة. ونعرض هنا ما يجب القيام به حيالها. أصبحت مهام قادة الأعمال حول العالم في عصرنا عسيرة؛ إذ عليهم التعامل مع تقلبات اقتصاد مضطرب، وتوتر جيوسياسي دائم، والتبعات طويلة الأمد لجائحة كوفيد-19، علاوة على مجموعة من التقلبات التنظيمية التي تحمل معها آثاراً لا يستهان بها على هيكلية الشركة وأعمالها وأفرادها.
وتنطوي التحولات على أسئلة معقدة حول كيفية التنظيم من أجل السرعة التي تعزز المرونة، وتحقيق التوازن السليم بين نموذجي العمل التقليدي والافتراضي، والتعامل مع تدهور الصحة النفسية للموظفين، وبناء كفاءات مؤسسية جديدة في عصر يتسم بالتغير التكنولوجي السريع، فضلاً عن سمات أخرى. ولأغراض هذا التقرير، يشمل مصطلح "الصحة النفسية" الصحة النفسية الإيجابية، ومجموعة كاملة من الحالات العقلية وتعاطي المخدرات والحالات العصبية.
ولأجل مساعدة الرؤساء التنفيذيين وفرق الإدارة العليا على مناقشة هذه المسائل، أصدرنا في ماكنزي تقريراً بعنوان "بيان حالة الشركات في العام 2023"، يعرض المبادرة البحثية القائمة التي تسعى إلى تحديد أهم التحولات التي تمر بها الشركات، وتقديم بعض الأفكار والاقتراحات حول كيفية التعامل معها.
وفي إطار البحث، خلال الفترة الممتدة بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2022، استقصينا آراء أكثر من 2500 من قادة الأعمال في الشركات التي تضم 1000 موظف على الأقل عبر قطاعات وصناعات ودول (كندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)؛ لتحديد موضوعات بيئة العمل الأكثر صلة بهم.
أفاد نصفهم بأن شركاتهم مستعدة ومؤهلة لتوَقُّع الصدمات الخارجية والتعامل معها، ويرى ثلثاهم أن هيكلية شركاتهم معقدة للغاية وغير فعالة. كما تحدثنا مع هؤلاء القادة بغرض جمع القصص الملهمة وأفضل الممارسات من الشركات التي تكيفت مع الاضطرابات الاقتصادية والتشغيلية الأخيرة، وتمكنت من صياغة مسارات جديدة. وأخيراً؛ حددنا أربع نقاط تجب مراعاتها عند التصدي لتلك التحولات التنظيمية العشرة، والاستفادة من نتائج الاستقصاء، وفي أثناء البحث الكمي مع الرؤساء التنفيذيين، والوصول لما خلصنا إليه من واقع عملنا في هذا المجال ومن خلال أبحاث ماكنزي الحالية.
أهم عشرة تحولات تواجه الشركات في هذا العصر
هي تحولات تفرض تحديات وتتيح فرصاً في الآن نفسه، وفقاً لكيفية تعامل الشركات معها.
1- زيادة السرعة تعزز المرونة: يقول نصف عدد من شاركوا في الاستقصاء إن شركاتهم غير مستعدة للتجاوب مع أي صدمات مستقبلاً. وتلك القادرة على التعافي السريع والخروج من سلسلة الأزمات تكتسب مزايا كبيرة عن بقية الشركات.
2- "هجينة نموذجية": التوازن الجديد بين نموذج العمل التقليدي والعمل عن بُعد. منذ جائحة كوفيد-19، تبنى نحو 90% من الشركات مجموعة من نماذج العمل الهجينة التي تسمح للموظفين بالعمل من مواقع خارج مقر الشركة لبعض الوقت أو معظمه. ومن المهم أن توفر الشركات الهيكلية والدعم للأنشطة والمهام التي يفضل إتمامها شخصياً، أو تلك التي يمكن إنجازها عن بُعد.
3- تمهيد السبيل أمام تطبيقات الذكاء الاصطناعي: يتجاوز الذكاء الاصطناعي كونه فرصة محتملة لتعزيز عمليات الشركة، إذ يمكن استخدامه في تطوير الشركات أيضاً. وتستعين الشركات بالفعل بالذكاء الاصطناعي لتمهيد السبيل أمام المواهب المستدامة، وتحسين أساليب العمل بشكل كبير، وإحداث تغييرات هيكلية تعتمد على البيانات بوتيرة أسرع.
4- قواعد جديدة للجذب والاحتفاظ والاستنزاف: يراجع الأفراد مواقفهم سواءً من العمل أو خلال العمل. ويمكن للشركات أن تتجاوب عن طريق تقديم عرض قيمة لكل موظف وفق تفضيلاته، وبأسلوب يساعد في ردم الفجوة بين ما يريده الفرد وما تحتاجه الشركة.
5- ردم فجوة القدرة: غالباً ما تعلن الشركات عن إدراج عناصر تقنية أو رقمية في استراتيجياتها دون امتلاك القدرات المناسبة لتطبيقها. ولتحقيق ميزة تنافسية، تحتاج الشركة إلى بناء كفاءات مؤسسية، أي مجموعة متكاملة من الأفراد والعمليات والتقنيات التي تمكّنها من أن تسبق المنافسين باستمرار.
6- التعامل الحذر مع المواهب: اعتاد قادة الشركات منذ فترة التعامل الحذر مع الأفراد الموهوبين، إذ يضبطون الميزانية بعناية مع الاحتفاظ بأهم الأفراد. وفي ظل اضطراب المناخ الاقتصادي اليوم، فعلى هؤلاء القادة التركيز أكثر على اختيار أفضل المواهب للمناصب الأعلى قيمة. وتُظهر أبحاث ماكنزي أن الأفراد المناسبين لا يشغلون بين 20 و30% من المناصب المهمة في العديد من الشركات.
7- قيادة ملهمة مدركة لذاتها: على قادة الأعمال في عصرنا قيادة أنفسهم، وقيادة فريق من الأقران التنفيذيين، وإظهار المهارات القيادية والعقلية المطلوبة للقيادة على نطاق واسع، والتنسيق مع فرق العمل وإلهامها. ولتحقيق هذه الغاية؛ ينبغي عليهم اكتساب وعي راسخ بذواتهم وبيئات العمل من حولهم.
8- تحقيق تقدم ملموس في مسارات التنوع والإنصاف والشمول: تولي العديد من الشركات أهمية كبرى لمبادئ التنوع والإنصاف والشمول، ولكنها في كثير من الحالات لا تُترجم المبادرات إلى تقدم ملموس. ولتحقيق تلك المبادئ؛ على القادة تحديد الفرص لإحراز تقدم في كل من الشركات ومجتمعاتها، وكذلك المجتمع على نطاق أوسع.
9- الصحة النفسية، الاستثمار في محفظة التدخلات: تنفذ تسع شركات من أصل عشر حول العالم شكلاً من أشكال برامج الرفاه. ولكن درجات الصحة والرفاه حول العالم ما تزال ضعيفة، وعلى الشركات إعادة تركيز جهودها على المعالجة المنهجية لأسباب الصحة النفسية وتحديات الرفاه؛ ولن تكون إصلاحات المرة الواحدة والتراكمية كافية.
10- المزيد من الدعم للكفاءة: ذكر أكثر من ثلث قادة الشركات المشاركين في الاستقصاء أنّ الكفاءة ضمن أهم ثلاث أولويات تنظيمية. ويتعلق تعزيز الكفاءة بما هو أكثر من مجرد إدارة فورية للأزمات أو إنجاز نفس العمل بموارد أقل؛ وهو ما يعني الاستفادة من الموارد بشكل أكثر فاعلية في المَواطن الأكثر أهمية.
دروس من القادة
على الرغم من عدم وجود دليل مجرب يحدد خطوات النجاح في معالجة هذه التحولات التنظيمية، يقدّم بعض الشركات نماذج ملهمة نتبين منها مسارات ممكنة للتطوير. وهنا نقدم أفضل الممارسات من بعض قادة الشركات الذين يتأقلمون مع الاضطرابات الاقتصادية والتشغيلية الأخيرة بغية صياغة مسار جديد للشركة العصرية.
وفي حين لا يمثل هذا تجميعاً شاملاً، فإن نماذج الشركات في الاستقصاء تمثل قطاعات وصناعات ومناطق متنوعة، وتجمع بينها قواسم مشتركة تتجلى في الالتزام الثابت تجاه أفرادها، والقدرة على التحول في مواجهة الاضطراب. وجرى ترتيب المقابلات حسب عدد الموظفين في كل شركة، من الأكثر إلى الأقل.
التغيير على نطاق واسع:
فالمطلوب نهج متكامل لمعالجة التحولات التنظيمية العشر، والتكيف مع المتغيرات الأخيرة. ونختتم بأربع نقاط تجب مراعاتها.
النقطة الأولى هي حاجة الشركات إلى تحديد توجُّه لتقويم طموحها؛ أي تبنّي منظور واضح مناسب للشركة. وقد يتعلق الأمر بتحسين يضفي مزيداً من السلاسة على هياكلها وتوضيح الأدوار والمسؤوليات بدرجة أفضل، أو قد يستدعي الأمر تنفيذ تحول جذري.
أما النقطتان الثانية والثالثة فهما من باب "الواجبات"، وبغض النظر عن نوع التحول الذي سوف يُجرى، يجب أن يكون ثمة تركيز كبير على تنمية المواهب والاستثمار في القيادة التي تطور الشركة.
بينما تكمن النقطة الرابعة والأخيرة في ضرورة دمج كل هذه الجوانب. ويجب أن يكفل المُخرج النهائي تحقيق التغيير واسع النطاق في شركة مستعدة للتكيف مع الأوضاع الجديدة، والتحديات الجديدة، والفرص الجديدة.