المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
استثمار

التحديات تجبر شركات التكنولوجيا العميقة على هجرة المنطقة العربية

شركات التكنولوجيا العميقة لا تحقق إيرادات لفترة طويلة، لذلك تتطلب شركات استثمار صبورة، حتى تحسّن منتجاتها ومن ثم يمكنها تحقيق الإيرادات.

بقلم


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية)

في حين تستعد شركة إيم تكنولوجيز (Aim Technologies) للذكاء الاصطناعي، مقرها الرئيسي مصر ولديها مكتب بالإمارات، لإغلاق جولة تمويلية جديدة قبل نهاية العام، وفقاً لحديث الشريك المؤسس محمد معاذ مع فورتشن العربية، تواجه شركات التكنولوجيا العميقة في المنطقة تحديات عديدة.

يُطلق مصطلح "شركات التكنولوجيا العميقة" على فئة من الشركات الناشئة التي تطور منتجات جديدة تعتمد على الاكتشاف العلمي أو الابتكار الهندسي، وتتضمن الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، وسلسلة الكتل أو "البلوك تشين"، والروبوتات، والضوئيات، والإلكترونيات، والمواد المتقدمة التي تعتبر أساس صناعة التكنولوجيا العميقة مثل المواد النانوية، والمواد الذكية، والمواد ذاتية الإصلاح، والمواد الممتصة للطاقة وغيرها.

تحديات عديدة

تأسست شركة إيم تكنولوجيز في 2019، وتقدم أدوات تركز على توفير حلول تسويقية ورؤى تساعد كل شركة في تعزيز التخطيط التسويقي الاستراتيجي من خلال الذكاء الاصطناعي، وتواجه الشركة مثل العديد من شركات التكنولوجيا العميقة الناشئة العديد من التحديات، وفقاً لحديث الشريك المؤسس معاذ الذي قال إن الحصول على كوادر مؤهلة في هذا المجال أمر صعب في ظل غياب برامج واضحة لتأهيلهم، خاصة أن من يمتلك الخبرة يسافر للعمل خارج المنطقة.

على الرغم من بدء ملامح الاهتمام بالاستثمار في قطاع التكنولوجيا العميقة بالمنطقة العربية، إلا أن الاستثمار لا يزال نادراً حسب معاذ الذي يؤكد أن ندرة الاستثمار في شركات التكنولوجيا العميقة يعد تحدياً كبيراً يواجهها، إذ يرى أن أغلب المستثمرين في المنطقة لا يزالون يبحثون أكثر عن الاستثمار في الشركات التي تخدم المستهلك، مثل شركات التجارة الإلكترونية، لأن سرعة نمو شركات التكنولوجيا العميقة أقل من سرعة نمو شركات التجارة الإلكترونية أو تلك العاملة في التكنولوجيا المالية أو التوصيل أو التوزيع، وكان هذا تحدياً واجهته شركة إيم تكنولوجيز.

لا يلغي معاذ وجود بعض المستثمرين المهتمين بالتكنولوجيا العميقة في المنطقة، لكنه يرى أن هذا الاهتمام يتوسع بشكل بطيء، مشيراً إلى أن شركته، وعلى الرغم من صعوبة ذلك، حصلت على تمويل في ديسمبر/كانون الأول 2021، من شركة سيكونس فيتشرز(Sequence Ventures) لرأس المال الاستثماري.

وفي أكتوبر 2021، أطلقت شركة سيكونس فينتشرز المصرية صندوقاً تحت اسم إيجيبت ديب تك (Egypt Deep Tech) للاستثمار في شركات التكنولوجيا العميقة، وبدأت بالاستثمار في شركة إيم تكنولوجيز، وأعلنت الشركة في مارس/آذار الماضي عن تخطيطها لاستثمار 150 مليون جنيه في 10 كيانات ناشئة بالمجال التكنولوجي ذاته.

الحاجة للدعم والاحتضان

يشير معاذ إلى أن شركته في حالة نمو، وأصبحت لديها قاعدة عملاء من مصر والإمارات وعمان والأردن وباكستان وكندا، ويرى أن شركات التكنولوجيا العميقة بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل مؤسسات أو جامعات تعمل أيضاً على تخريج كوادر مؤهلة، بجانب أهمية وجود تسهيلات تمويلية، سواء بالتمويل المباشر أو تشجيع وتسهيل تطوير وتصدير منتجاتها.

يتفق الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة دي فيجن إكس (DevisionX) المصرية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، محمود عبد العزيز، مع معاذ بخصوص ندرة المستثمرين في المنطقة، حيث تحدث مؤسسو الشركة مع العديد من المستثمرين في مصر والشرق الأوسط، لكن لم يصلوا إلى تمويل، وفقاً لعبد العزيز الذي قال لفورتشن العربية إن شركات التكنولوجيا العميقة تأخذ وقتاً أطول في التطوير وطرح المنتجات في السوق وتحقيق الربح، بينما يريد المستثمر شركة تحقق الربح السريع، وبالتالي تذهب الاستثمارات إلى مجالات أخرى، فإذا اعتبرنا أن الشركة العادية تحتاج حوالي سنة حتى تحقق الربح، فشركة التكنولوجيا العميقة تحتاج من سنتين إلى ثلاث على الأقل، لأنها تحتاج إلى وقت طويل في بدايتها حتى تصنع المنتج، وهذا ما حدث مع (DevisionX) التي احتاجت إلى عامين من أجل طرح منتجها في الأسواق.

المنطقة العربية بحاجة إلى صندوق أو جهة للاستثمار في التكنولوجيا العميقة، تضم مجموعة من المستثمرين الذين يدركون أهمية هذا المجال، بجانب الاهتمام بتعليمها في الجامعات لتخريج شركات منها، ما سيحقق تطوراً في قطاع التكنولوجيا العميقة بالمنطقة، وفقاً لعبد العزيز.

هجرة الشركات إلى أوروبا

تسعى شركة دي فيجن إكس التي تأسست في 2016 للانتقال إلى أوروبا التي تعتبرها سوقها الرئيسية من حيث عدد العملاء، والذي يزيد من فرصها في الحصول على استثمارات، حسب عبد العزيز، فلدى الشركة عملاء بمصر وأوروبا وخاصة ألمانيا، ولكنها لم تحصل على استثمارات حتى الآن، وتعمل بالجهود الذاتية لمؤسسيها فقط.

يشير عبد العزيز إلى أن شركته تعمل على تمكين المصنعين والشركات من تطبيق رؤية الذكاء الاصطناعي والآلة في حل تحدياتهم اليومية، وبناء الذكاء الاصطناعي الخاص بهم دون تشفير أو خبرة في الذكاء الاصطناعي. مثل عملية فحص الجودة من خلال أداة تمكين الذكاء الاصطناعي التي أنتجتها الشركة "توبة" (TUBA).

ويرى أن وضع الاستثمار في شركات التكنولوجيا العميقة مختلف في أوروبا وأميركا، حيث إن هناك العديد من المستثمرين المتخصصين في هذه النوعية من الشركات، وأن أي شركة تكنولوجيا عميقة تخرج من مصر أو الشرق الأوسط تضع هدف الانتشار عالمياً أمامها، لكن هذا يحتاج إلى دعم كبير، وبالتالي تحتاج إلى مستثمر متخصص في التكنولوجيا العميقة.

ردة فعل المستثمرين الأوروبيين بالتجاوب مع شركة دي فيجن إكس اختلفت تماماً عن نظرة المستثمرين في المنطقة الذين أرادوا الربح السريع، يقول عبد العزيز: تحدثنا مع مستثمرين من ألمانيا وبولندا وفرنسا وإسبانيا، وكان هناك ترحيب بمنتجنا، ولكن طلبوا انتقالنا إلى أوروبا من أجل منحنا الاستثمار، وهذا الأمر كان صعباً بالنسبة لنا لأنها خطوة مكلفة، لكننا وضعنا هدفاً أمامنا بتسجيل الشركة هناك، لأنها سوقنا الرئيسية من حيث عدد العملاء، ويمكننا الحصول على استثمار بشكل أقوى في أوروبا، هناك مستثمرون يستثمرون في شركات التكنولوجيا العميقة فقط، ويفهمون هذه السوق جيداً.

إلى ماليزيا أيضاً

انتقلت شركة قدرة (Qoudra) من مصر إلى ماليزيا في 2018، بعد 6 سنوات من تأسيسها، وقد استحوذت شركة سكاي مايند (Skymind) الماليزية لبرمجيات التعلم العميق والمتخصصة في أنظمة الذكاء الاصطناعي على تقنية خاصة بالبلوتوث أنتجتها شركة قدرة، وفقاً لتصريح مؤسسها محمود درويش لفورتشن العربية.

وعن سبب الانتقال إلى ماليزيا يقول درويش: تعمل الشركة في مجال إنترنت الأشياء، وبناء شبكات تعمل بمصادر طاقة متناهية الصغر. صحيح أنه كان لدينا عملاء في المنطقة العربية، لكن الفرصة في سوق صناعة الإلكترونيات بدول جنوب شرق آسيا أكبر من منطقة الشرق الأوسط، ولذلك كانت ماليزيا هي وجهتنا، وقد حصلت الشركة بعد انتقالها إلى هناك على استثمار، وأصبح لديها عملاء من ماليزيا والصين.

رأس مال صبور

تستثمر شركة رأس المال المخاطر الإماراتية شروق بارتنرز (Shorooq Partners) بشركات التكنولوجيا العميقة ضمن استثماراتها بالشركات الناشئة، وفقاً لحديث الشريك بالشركة، تامر عازر، مع فورتشن العربية، حيث استثمرت الشركة في شركات بروتينا (Proteinea) بمصر، وواين هيل فينتشرز (Wayne Hill Ventures) بكوريا، وأفيروس (Averroes) بالأردن.

ويشير عازر إلى أن شروق بارتنرز تبحث دائماً عن دعم مؤسسين استثنائيين يبنون أفضل الشركات في فئتها، ويجب أن تعمل تلك الشركات على حل مشكلة كبيرة وتقديم عرض قيمة حقيقية، ولدى عازر قناعة راسخة بأن المؤسسين الإقليميين الذين تستثمر شروق بارتنرز في شركاتهم يمكنهم بناء حلول لمشاكل عالمية، وتصديرها.

يعلق عازر على ندرة الاستثمار في شركات التكنولوجيا العميقة في المنطقة قائلاً: تواجه هذه الشركات تحديات عميقة في السوق، فهي مختلفة عن الشركات العادية، حيث لا تحقق شركات التكنولوجيا العميقة إيرادات لفترة طويلة عكس الشركات الأخرى، لذلك فهي تتطلب شركات استثمار صبورة، تستثمر من أجل تقديم برمجيات كخدمة (SAAS)، فلا تدرّ الاستثمارات في شركات التكنولوجيا العميقة إيرادات حتى تحسّن منتجاتها، ثم يمكنها تحقيق الإيرادات.

ملامح اهتمام عربي

بحلول عام 2030، من المتوقع أن تضخ التكنولوجيا العميقة 100 تريليون دولار على الاقتصاد العالمي، وفقاً لكتاب "ديب تك" (Deep Tech) المنشور في 2021، للمؤلف والتقني إيريك ريدموند (Eric Redmond).

وبالفعل، بدأت بعض الدول العربية تولي اهتماماً بالشركات التكنولوجيا العميقة، لما لها من أهمية في بناء مستقبل الاقتصاد العالمي، فقد قدّمت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا برنامجاً سعودياً فريداً، يعد الأول من نوعه في تطوير واحتضان التكنولوجيا العميقة، واختتم في مايو/أيار الماضي.

ويعمل مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي على بناء كادر من العلماء والمتخصصين في التكنولوجيا المتقدمة، لتَولّي أدوار قيادية في مجالات الابتكارات المستقبلية، ويعد المجلس كياناً شاملاً مكلفاً بتشكيل منظومة للتكنولوجيا المتقدمة، وبناء كفاءات وطنية في مجالات التكنولوجيا العميقة المتنوعة.

وفي مصر، أنشأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي صندوق رعاية المبتكرين والنوابغ في 2019 لدعم وتمويل ورعاية الباحثين والمبتكرين، ودعم وتمويل مشروعات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، كما يدعم الصندوق أنشطة البحوث والتطوير والابتكار في المؤسسات التكنولوجية الوطنية.

وهناك شركات عربية تعمل في التكنولوجيا العميقة حققت نجاحاً كبيراً، من خلال جذبها استثمارات من شركات عالمية أو حصولها على جوائز عالمية، فقد استثمرت شركة الهندسة والتكنولوجيا العالمية كومتيل (Commtel)، من خلال فرعها في الإمارات العربية المتحدة، حصة أقلية في نيبل (Nybl) بدبي، والتي تعمل على نشر استخدام الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير منظومة تمكّن أي شخص من ذوي الخبرة في تخصص معين من استخدام حلولها.

أما شركة مانهات (Manhat) الناشئة التي تتخذ من أبو ظبي مقراً لها، وتقدم حلول تحلية المياه باستخدام العلوم الفيزيائية، فقد حصلت على جائزة (Water Europe Innovations 2022 SME)، وهي جائزة مخصصة للشركات الناشئة التي تعمل على حل المشاكل الرئيسية التي يواجهها قطاع المياه باستخدام تقنيات التكنولوجيا العميقة.

يرى درويش أن منطقة الشرق الأوسط تطورت في الفترة الأخيرة من حيث الاهتمام بالتكنولوجيا العميقة، وأصبح هناك بعض المستثمرين وصناديق الاستثمار تهتم بهذا المجال، ويشير إلى أن هذه النوعية من الشركات تحتاج بنية تحتية للتكنولوجيا، وسهولة في الإجراءات القانونية، بجانب الاهتمام بضخ استثمارات فيها.

وقطاع التكنولوجيا العميقة في أوروبا، يزدهر بالعديد من الشركات الناشئة التي وصلت قيمتها إلى 711 مليار دولار نهاية 2021، وفقاً لتقرير بيزنس إنسايدر (Business Insider) المنشور في أغسطس/آب الجاري، ويشير إلى اهتمام المستثمرين بهذه الشركات بعد أن تجنبوها لسنوات.

فدولة مثل إنجلترا تخصص 200 مليار جنيه استرليني للاستثمار في الذكاء الاصطناعي من خلال صندوق حكومي، كما أنّ دول الخليج العربي أصبح لديها حاضنات تكنولوجية تدعم شركات التكنولوجيا العميقة، وفقاً لمعاذ.


image
image