في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وأعمق أزمة في تكاليف المعيشة منذ عقود، لا يرغب العاملون البريطانيون في التخلي عن التوازن بين العمل والحياة الشخصية. وفقاً لدراسة جديدة، تتصدر المملكة المتحدة قائمة تضم 24 دولة تُعد الأقل تركيزاً على العمل.
كشفت بيانات جديدة حللها معهد السياسات في كلية كينغز لندن أن نحو 1 من كل 4 ممن شملهم الاستقصاء في المملكة المتحدة قالوا إن العمل مهم جداً أو مهم إلى حد ما بالنسبة لهم. وهذه نسبة أقل بكثير من نسبة المشاركين الذين قالوا الشيء نفسه في الولايات المتحدة (80%) وفرنسا (94%).
كان البحث جزءاً من مسح القيم العالمية المهم الذي يحلل البيانات المتعلقة بمواقف المشاركين في الاقتصادات النامية والمتقدمة حول العالم تجاه العمل. في المملكة المتحدة، جُمعَت بيانات من أكثر من 3,000 شخص بالغ في عام 2022.
أظهرت النتائج أيضاً أن العديد من العاملين في المملكة المتحدة قد يرفضون إيلاء أهمية قصوى للعمل. وعندما سُئل المشاركون في الاستقصاء عما إذا كان يجب إيلاء العمل أولوية قصوى، حتى لو كان ذلك يعني تقليل وقت الفراغ، وافق 22% فقط من البريطانيين، مقارنة بـ 39% من الفرنسيين و45% من الإسبانيين.
قال مدير معهد السياسات في كلية كينغز والباحث الرئيسي في الدراسة، بوبي داف، في مقالة نُشرت يوم الخميس: "المملكة المتحدة من بين أقل الدول احتمالاً (من بين مجموعة كبيرة من الدول) لقول إن العمل مهم أو يجب إعطاء الأولوية له على حساب وقت الفراغ، أو إن العمل الجاد يؤدي إلى النجاح، أو إن عدم العمل يجعل الناس كسالى".
وفقاً للبيانات، كانت هذه التوجهات قائمة بين الشعب البريطاني لثلاثة عقود، لكن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية أصبح من أهم أولويات الأجيال الشابة والقادمة من الموظفين في البلاد.
على سبيل المثال، أظهرت نتائج الاستقصاء أن أكثر من نصف أبناء جيل الألفية والجيل زد يعتقدون أنه من الجيد إيلاء أهمية أقل للعمل، مقارنة بـ 34% من جيل طفرة المواليد البريطانيين.
صرّحت زميلة أبحاث في معهد السياسات، كيرستي هيوليت، لمجلة فورتشن إن أحد التفسيرات للاختلافات بين الأجيال في كيفية النظر إلى العمل هو الظروف الاقتصادية القاسية التي شهدها العاملون الأصغر سناً.
وقالت: "هناك بعض الدلائل على زيادة شعور الشباب بخيبة الأمل إزاء العمل، ما قد يكون متوقعاً نظراً إلى معاناتهم من ركود طويل الأجل في الاقتصاد والأجور"، مشيرة إلى أن نسبة أبناء جيل الألفية الذين يقولون إن العمل يجب أن يأتي دائماً في المقام الأول انخفضت انخفاضاً حاداً من 41% في عام 2009 إلى 14% في فترة ما بعد الجائحة عام 2022.
مشكلة الإنتاجية في بريطانيا
في الوقت الذي تعاني فيه بريطانيا فترة من الاضطرابات الاقتصادية، لا تزال تواجه مشكلة في الإنتاجية.
إذ لا تزال إنتاجية المملكة المتحدة متأخرة عن معظم نظيراتها في مجموعة الدول السبع بعد أن استقرت في أعقاب الأزمة المالية الكبرى.
تُظهر البيانات أن إنتاجية المملكة المتحدة ارتفعت بنسبة 0.4% فقط سنوياً منذ ذلك الحين، وهذا أقل من نصف ما تحققه أغنى 25 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
تناقش صانعو السياسات في مسألة إنعاش الإنتاجية لفترة طويلة، بوصفها وسيلة لتعزيز النمو الاقتصادي.
ولكن هل تحمل المواقف تجاه مكان العمل أي أدلة حول ما قد يساعد في تعزيز الإنتاجية؟ الجواب هو نعم ولا، وفقاً لهيوليت.
في حين قد تعكس مقاييس الإنتاجية دوافع قوة العمل في بريطانيا، فإنها مرتبطة أيضاً بالعديد من العوامل الأخرى مثل تنمية المهارات والاستثمار التكنولوجي.
قالت هيوليت: "لا تبدو العلاقة بين المواقف تجاه العمل ومستويات الإنتاجية على الصعيد الوطني قوية جداً في هذه الدراسة"، مشيرة إلى أن هناك دولاً، مثل ألمانيا، تتمتع بإنتاجية أعلى من المملكة المتحدة ولكنها تتبنى وجهات نظر مماثلة حول إعطاء الأولوية لأوقات الراحة. وأضافت: "يجب الحذر من استخلاص استنتاج بسيط لكنه خاطئ؛ هو أن 'البريطانيين الكسولين' يضرون بالإنتاجية".
وقالت إن الأمر لا يتعلق بتغيير جذري في المواقف، بل بزيادة التركيز على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية بطريقة صحيحة.