المحتوى محمي
المحتوى محمي
آراء وخبرات

كيف تواجه اقتصاد السبورة السوداء؟

السبورة السوداء ليست حكراً على علم الاقتصاد، بل تمتد أيضاً إلى علوم مجاورة. ففي علم النفس تشير الدراسات النظرية إلى أن الجوائز والمكافآت يمكن أن تكون محفزاً قوياً لتحسين الأداء.

بقلم


money

راسل قاسم، خبير ومؤلف إداري (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

كثيرةٌ هي المحاولات التي دأبت على ردم الصدع بين النظرية والتطبيق، وبين ما يقال وما يتم تنفيذه على أرض الواقع. هذا الفارق موجود حولنا بعدة أشكال، حتى إنه امتلك اسماً في عالم الاقتصاد والأعمال هو اقتصاد السبورة السوداء. 

وقد صاغ هذا المصطلح البريطاني الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، رونالد كواس، حيث وصف اقتصاد السبورة السوداء بأنه المعلومات الاقتصادية التي يمكننا وضعها على السبورة، ولكنها تشير إلى نظام نظري ليس قائماً على التجربة على الإطلاق؛ فهو لا يهتم بما يحدث حقاً على أرض الواقع، أي إنه شيء غير موجود.

يمكن ببساطة لأي مبتدئ في الاقتصاد، أن يدرس آثار تطبيق أي سياسة أو قانون من خلال منحنى العرض والطلب المعروف، ويصل إلى الأثر الذي من الممكن أن تحدثه تلك السياسة على السوق، وكيف يمكن للأسواق أن تتفاعل مع مجموعة مختلفة من المتغيرات. 

ولكن عندما يتم التطبيق الفعلي، فإن الأمور على الأغلب ستأخذ منحى آخر. يعود ذلك إلى أننا عندما نكتب على السبورة فإننا نفترض أن جميع المعلومات متوفرة، وأن السوق مثالية، إذ يقوم المحلل بربط المتغيرات ببعضها البعض كالأسعار والضرائب والدعم والمنافسة وغيرها، ولكن لا يوجد أحد على الأرض ليقوم بربط المعلومات بذات الطريقة في النظام الاقتصادي الحقيقي، كما أن البعض منها سيكون غير متوفر على الأغلب.

هناك العديد من الحالات التي ثبتت فيها صحة الحسابات النظرية، ولكن التطبيق على أرض الواقع ذهب نحو الفشل؛ فمثلاً، كثيرة هي الدراسات النظرية في علم الاقتصاد التي تؤكد على أن زيادة الضرائب على الأغنياء يمكن أن تسهم في توزيع الثروة بشكل أفضل، وفي تحفيز النمو الاقتصادي. ومع ذلك، كانت هناك تجارب واقعية في عدة دول؛ حيث تم فرض ضرائب عالية على الأغنياء، ولكنها لم تؤدِّ إلى التوزيع الأفضل للثروة، بل أدت إلى هجرة الأغنياء وتدهور الاقتصاد.

السبورة السوداء ليست حكراً على علم الاقتصاد، بل تمتد أيضاً إلى علوم مجاورة. ففي علم النفس تشير الدراسات النظرية إلى أن الجوائز والمكافآت يمكن أن تكون محفزاً قوياً لتحسين الأداء. ومع ذلك، كان هناك تطبيق فاشل لهذه النظرية في مجموعة من المدارس، حيث تم منح مكافآت للطلاب الذين حصلوا على درجات عالية، ولكنها لم تؤدِّ إلى تحسين الأداء، بل على العكس؛ تفاقمت المشكلات بين الطلاب، وزادت الفجوة بينهم، وتراجع الأداء الدراسي بشكل عام.

أما إذا تساءلنا عن كيفية التخفيف من تداعيات اقتصاد السبورة السوداء، وتضييق الفجوة بين النظرية والتطبيق، فيمكن للممارسات التالية أن تسهم في تحقيق ذلك:

  • تعزيز التواصل والتعاون بين المتخصصين في المجال النظري والعملي، وذلك بهدف تشخيص التحديات المتعلقة بتطبيق الدراسات النظرية والعمل على إيجاد حلول عملية لها.
  • تكييف الدراسات النظرية لتتوافق مع الظروف الفعلية في الميدان العملي. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق البحث عن العوامل المؤثرة في التطبيق العملي، والتعديل على النظريات والمفاهيم الموجودة لتتناسب مع تلك العوامل.
  • توفير التدريب والتعليم المناسبين للمتخصصين في الميدان العملي؛ لضمان فهمهم الصحيح للدراسات النظرية وتطبيقها بشكل فعال على أرض الواقع.
  • النظر إلى الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في الميدان العملي، وتحديد كيفية أخذ الدراسات النظرية تلك الجوانب بالحسبان.
  • تطوير السياسات العملية لتحسين تنفيذ الدراسات النظرية، بما فيها تحسين إجراءات التقييم والمراقبة لضمان تحقيق النتائج المطلوبة.

على الرغم مما عرضناه، لا يمكننا أن نرمي الدراسات النظرية جانباً وننادي فقط بالتطبيق العملي. ففي مجال الاقتصاد، تناقش الدراسات النظرية نماذج اقتصادية مختلفة وتفاضل بينها، بينما التطبيق العملي يتضمن استخدام هذه النماذج لتحليل الاقتصاد الحقيقي واتخاذ القرارات الاقتصادية.

ولكن ربما يجوز أن نهمس إلى الاقتصاديين بأن يعملوا على أن يكونوا واقعيين إلى أبعد الحدود، وأن يتوخوا الحذر عند استعمال السبورة السوداء، وأن يلتفتوا إلى اقتصاديات العالم الحقيقي ما أمكن.


image
image