المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
آراء وخبرات

5 ابتكارات ستغيّر مستقبل السينما

"التزييف العميق"، أحد الابتكارات الخمس، يخلق سؤالاً كم يمكن أن يدفع جمهور السينما اليوم مقابل مشاهدة إصدار سابق من فيلم "الرجل العنكبوت" ببطولة توم كروز؟

بقلم


money

طلال ملك، الرئيس التنفيذي والمنتج الرئيسي في شركة "ألفا 1 ميديا" (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

أُقيم مؤخراً أشهر مهرجان سينمائي في العالم، وهو "مهرجان كان"، بدورته الخامسة والسبعين في الفترة من 17 إلى 28 مايو/أيار، وعُرِض فيه فيلم "توب غان: مافيرك" (Top Gun: Maverick) من بطولة نجم هوليوود توم كروز في 18 مايو/أيار، والفيلم مستوحى من فيلم قديم يحمل نفس الاسم ظهر في عام 1986، حيث وصل الفيلم القديم لأول مرة بعد 30 عاماً إلى السجادة الحمراء لـ "مهرجان كان" في قصر المهرجانات. ويعد المهرجان فرصة مناسبة لتقييم موضع قطاع السينما العالمية وتوقّع القفزة النوعية المحتملة القادمة.

كما أن السينما أقوى أشكال الفن الثقافي في العالم من حيث تأثيرها العالمي وقوتها التجارية، وهي بالتأكيد في نقطة انعطاف. وفي مواجهة الآثار التي خلّفتها جائحة كوفيد-19 على القطاع في عام 2020، والتي أدّت إلى توقف عالمي حقيقي وفعلي، فإن ما سيفعله قطاع السينما في هذه المرحلة الحرجة سيكون له نتائج طويلة الأمد في العقد المقبل وما بعده.

وقال مايكل أوفيتز، المؤسس المشارك لواحدة من أقوى وكالات المواهب في هوليوود، وهي "وكالة الفنانين المبدعين" (Creative Artists Agency)، والرئيس السابق لشركة "ديزني" والذي يصف نفسه بأنه كان ذات مرة "الرجل الأكثر تأثيراً في هوليوود"، إن الترفيه هو "أكثر المجالات خطورة وتنافسية وصعوبة في العالم". وإن عاصمة الترفيه في العالم هي بلا شك هوليوود في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، والسينما هي ذروة الترفيه، وأساس السينما من منظور القطاع نفسه هو الأعمال السينمائية.

وقال أوفيتز في سبتمبر/أيلول 2018 بعد إصدار مذكراته: "في نهاية اليوم، هناك شيء واحد ينساه الجميع، وهو أن السينما عمل يفوق الوصف، فهي قطاع غير خاضع للتنظيم، وقائم بالكامل على البشر وأفكارهم، ومصادر تمويلك معقدة، وأفكارك تأتي من أشخاص معقدين. وإن وضع شخص معقد مع شخص آخر معقد يأخذك إلى أعماق تعقيد هذا القطاع، والجميع يتنافسون مع بعضهم البعض بطريقة قاسية ومجحفة للغاية".

وعلى الرغم من الطبيعة واسعة النطاق لقطاع السينما، فقد عانى هذا القطاع من اضطرابات مختلفة على مدار العقود القليلة الماضية، لكنه اتصف دائماً بميل إلى المرونة، وطالما أن المجال البصري للبشر يبلغ حوالي 120 درجة (أي أنهم قادرون على مشاهدة السينما)، فلا تزال السينما قائمة، وسوف تبقى الوسيلة الأعلى ثمناً الخالية من الأدوات لمشاهدة فيلم، وبالتالي فإن المنافسة من الميتافيرس وأمثاله لا تزال مماثلة للابتكارات المزعزعة السابقة مثل التلفزيون.

لكن ما يحتاجه قطاع السينما العالمية وسيكون له تداعيات على إنشاء المحتوى عبر قطاع الترفيه ككل، هو ابتكارات مهمة تستفيد من التقنيات الحالية الموجودة والقادمة. وتنقسم هذه الابتكارات المحتملة في خمسة مجالات، ومن المتوقّع أن تشكّل قفزة نوعية، فهي تمثل انتقالاً يشبه الانتقال من النظام التناظري إلى الرقمي.

يتمثل أول ابتكار في السينما بإضفاء الطابع المؤسسي وتوسيع نطاق الوصول إلى رأس المال للمنتجين ومبدعي المحتوى في مرحلة التطوير، وهو ما يشبه الاستثمار الملائكي في الشركات الناشئة. ويمكن تكييف بيئة الشركات الناشئة التي تطوّرت في وادي السيليكون للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، مع أشكالها المختلفة على مستوى العالم، لقطاع السينما وإنشاء المحتوى، حيث إن الملكية الفكرية هي قفزة نوعية في الاستثمارات من حيث خلق القيمة عندما تُطبَّق بشكل صحيح، مع إمكانات وقدرات مرافقة غير مستثمَرة بالشكل المطلوب. وهذا هو السبب في أن مايكل أوفيتز يرشد رواد الأعمال في وادي السيليكون، وسبب تأسيس ستيف جوبز شركة "بيكسار" (Pixar) بعد فترة عمله الأولى في شركة "آبل"، وسبب شراء جيف بيزوس مؤسس شركة "أمازون" شركة "إم جي إم" (MGM)، وسبب ظهور إيلون ماسك في دور شرف في فيلم "الرجل الحديدي 2" من أفلام "مارفل" في عام 2010 قبل أن يصبح رائد أعمال مشهور.

يتمثل الابتكار الثاني في السينما في عالم التمثيل وطاقم العمل من الممثلين والمخرجين والمنتجين، وحتى المصورين السينمائيين والمحررين حيث تسمح التكنولوجيا الآن بقدرة شبه متزايدة على توظيف أي شخص في أي مكان وفي أي منطقة زمنية قريبة. فاليوم، مع استخدام تكنولوجيا "التزييف العميق" (deepfake) لتكرار كل من الصورة المرئية والصوت في أي عمر، يمكن إنشاء شخصيات رقمية للممثلين، ليس فقط لهم عندما كانوا صغاراً، ولكن للممثلين المتوفين في الماضي من خلال إرثهم، واغتنام قابلية التعامل المصرفي للسنة الماضية، فضلاً عن التكرارات العرقية والعالمية للشخصيات المختلفة.

وعلى سبيل المثال، كم يمكن أن يدفع جمهور السينما اليوم مقابل مشاهدة إصدار سابق من فيلم "الرجل العنكبوت" ببطولة توم كروز، أو مشاركة "أرنولد شوارزنيغر" بدور "الطبيب أوكتوبس"، أو من إخراج المؤلف جيمس كاميرون، أو إنتاج ماريو كسار من شركة "كارولكو" (Carolco)؟ وفي الهند، ماذا لو أُصدِرت نسختان من فيلم "توب غان"، إحداهما من بطولة توم كروز بلهجة هندية وأردية من صوته الاصطناعي والثانية من بطولة نجم بوليوود تايغر شروف؟ أو استبدال شون كونري في فيلم "جيمس بوند" مع نجم بوليوود أميتاب باتشان لنسخة الهند وعمر الشريف للنسخة العربية؟ أو إعادة إنتاج أفلام "روكي" و"رامبو" من بطولة سيلفستر ستالون البالغ من العمر 75 عاماً مع نفسه، أو منح حق إنشاء نسخة صينية من بطولة وو جينغ الصيني أو نجم بوليوود هريثيك روشان؟ ثم في المستقبل، بعيداً عن ممثلي هوليوود وبوليوود، ماذا عن إعادة إنتاج فيلم ما لكن ببطولتك أنت؟ مثل أفلام "سبايدر مان"، أو "جيمس بوند"، أو "روكي"، أو "رامبو"؟ يمكن أن تكون الإمكانيات وتدفقات الإيرادات المترتبة عليها لصالح الاستوديوهات ووكالات المواهب هائلة. 

الابتكار الثالث هو السينما نفسها المنتشرة في كل مكان، وكيف تحتاج إلى التغيير، سواء في مرافقها الفعلية أو في نموذج أعمالها أيضاً، وتحويل مفهوم إيرادات العمولة إلى ما هو أبعد من مجرد فرض رسوم على الطعام والفشار. وفي عام 2013، تحدّث مؤلفا هوليوود ستيفن سبيلبرغ وجورج لوكاس عن زيادة أسعار التذاكر بحيث يصبح الذهاب إلى دور السينما في الواقع أشبه بتجربة مسرحية حقيقية. وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، كان هناك تطور في التجربة المسرحية مع إدماج المطاعم ضمن دور السينما وظهور تقنيات العرض رباعي الأبعاد (4D)، ولكن يبدو أن هذا التطوّر يمثل قلة قليلة من إمكانات السينما. ويجب أن تتطور السينما لتشبه المراكز الاجتماعية ومركز التسوق وتجربة مدينة الملاهي، حيث يساهم كل جانب من هذه الجوانب في تعزيز تجربة رواد السينما مع زيادة الإيرادات لهذا القطاع أيضاً. 

فعلى سبيل المثال، على عكس خيار البيع فقط داخل السينما لمنتجات أفلام "مارفل" (Marvel) أو "دي سي" (DC) التالي، يمكن تجربة خيار صالة الألعاب، وخيار بناء مكعبات الليغو (Lego) بنمط الفيلم، وتجربة الميتافيرس مع خيارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وتكون هذه الخيارات إضافات يجربها المتابعون قبل الفيلم أو بعده لتحسين التجربة. وبهذه الطريقة يصبح الجانب المجتمعي للسينما يكمن في أن الوقت الذي يقضيه الأشخاص في المسرح نفسه سيكون ساعتين، لكن تجارب الترفيه الإضافية يمكن أن تزيد الوقت المنقضي في السينما إلى أربع ساعات أو أكثر، مثل التنزّه ليوم أو نصف يوم في السينما تماماً. علاوة على ذلك، إذا فاتك حضور العرض الأول لفيلم جديد، فيمكن عرضه مجدداً أو في وقت قريب لاستدراكه، كما هو الحال في مناسبات ذكرى إعادة إصدار الأفلام الكلاسيكية التي تُعرَض في المسارح. وبالتالي، يمكن أيضاً زيادة دورة حياة كل من الأفلام القديمة والإصدارات الحديثة للسينما.

الابتكار الرابع في السينما هو مفهوم المقتنيات، والأصول الملموسة وغير الملموسة. فمع صعود البث المباشر والحوسبة السحابية، وظهور المقتنيات الرقمية مثل الرموز غير القابلة للاستبدال، أُهمِلت في الوقت ذاته الأصول الملموسة القابلة للاقتناء، حيث أصبحت ملكية الأفلام من أشرطة الفيديو إلى أقراص الفيديو الرقمية (DVD) وأقراص "بلو راي" (Blue Ray) للمتابعين الراسخين لأفلام معينة فقط. ومن الواضح أن التكنولوجيا ستؤدي إلى توسّع الأصول غير الملموسة في حالات الميتافيرس، حيث يجب على قطاع السينما وكافة القطاعات الأخرى فهم القيمة المادية والمعنوية معاً للخبرة التكنولوجية. ماذا يُقصَد بالخبرة التكنولوجية هنا؟ الخبرة التكنولوجية المقصودة هي القدرة المتزامنة على الانتقال بسلاسة من الاتصال بالإنترنت، إن كان اتصالاً عادياً أو رقمياً، إلى الوجود في العالم الواقعي والحفاظ على اتصال بشري وطبيعي. أحد الجوانب الرئيسية لهذه الخبرة هو أنه يجب على قطاع السينما التركيز على الشكل المستقبلي لأقراص الفيديو المعهودة التي كانت تعبّر عن المنتج المادي الملموس للفيلم، وكيف يمكن توسيع نطاق استخدام الشكل الجديد منها؟ وهنا تظهر الحاجة الحقيقية للمنتجين، فالقرص الرقمي هو المنتج المادي للفيلم الذي يمكن أن يتحسسه رواد السينما فعلياً، وأن يلمسوه ويشعروا بارتباطهم بالفيلم ويحتفظوا به، ويمكن أن يكون هناك جانب إضافي فريد منفصل عن التجربة المسرحية مثل الفقرات النقاشية عن العرض، ومجموعات الهدايا المكوّنة من أغراض خلف الكواليس، التي تتصف بقابلية اقتناء بشكل مماثل لأي منتج يمكن شراؤه من مواقع "أمازون" أو "إي باي"، وقد تشمل هذه الهدايا تواقيع من طاقم العمل والممثلين وألعاباً ودمى مصغرة لشخصيات الفيلم. حيث لا يمكن عادةً الحصول على توقيع الممثل الرئيسي إلا من خلال الوقوف لساعات في العرض الأول للفيلم في مدينة عالمية رئيسية، ولا يمكن أن يكون أيضاً بلا أوراق. ويجب أن تنتشر مجموعات الهدايا الخاصة بالأفلام على نطاق واسع وتتجاوز القلة الذين يشترونها عادةً لتصل إلى كافة المتابعين، وأن تضيف هذه المجموعات قيمة ملموسة حقيقية تتجاوز التجربة المسرحية.  

الابتكار الخامس لقطاع السينما هو المحتوى المعولم حسب الطلب، حيث تسمح التكنولوجيا بتلبية متطلّبات المحتوى لمختلف الجماهير العالمية وشرائح المتابعين، تماماً مثل الملابس المصممة خصيصاً، ويمكن لهذا النوع من المحتوى أن يتيح نهجاً أكثر تعاوناً بين منشئ المحتوى ورواد السينما. لذلك، على سبيل المثال، سيحتاج صنّاع المحتوى، أفراداً كانوا أو شركات، إلى التفكير في أي خلافات ثقافية وبمدى قابلية المحتوى الخاص بهم للتكييف على حساب عائدات شباك التذاكر مقابل مبادئهم الإبداعية. وبالتالي، فإن المحصلة النهائية سوف تتنوّع بين المحتوى العالمي والمحتوى المحدد (الذي تم تقييده ذاتياً حسب مبدأ إبداعي معيّن) والمحتوى المتخصص، والذي يُخصَّص لجمهور معيّن. جانب آخر من هذا هو ارتباط الفيلم بالجمهور، والسؤال هو: إلى أي مدى سيكون جمهور السينما المستهدف حريصاً على مشاهدة الأفلام التي تمثّله؟ وهل هذا يعني أن صنّاع المحتوى سيحتاجون إلى استخدام تكنولوجيا التزييف العميق لتلبية ذلك؟ وهل سيتّجهون إلى هذا الخيار فعلاً؟ على سبيل المثال، حصلت بعض أفلام "مارفل" منذ ظهورها على ما يقرب من 20% من عائدات شباك التذاكر من الصين فقط، ولكن بالمقابل لم تُجرَ أي تغييرات رقابية على الأفلام الحديثة بناءً على الأسباب السياسية، ما أدى في النهاية إلى خسارة العديد من الإيرادات المحتملة. ومن الواضح أن شركات السينما القادرة على التنقل في هذا الفضاء المعولم من المحتوى المصمم حسب الطلب سيجنون المكاسب المالية الأكبر نتيجة قدرتهم على تكييف المحتوى. 

هذه الابتكارات الخمسة المحتملة في صناعة السينما، من توسيع نطاق بيئة العمل إلى تمويل المنتجين وصنّاع المحتوى، وتعزيز الشخصيات الرقمية للممثلين وطاقم العمل، وتحويل السينما إلى مركز مجتمعي سينمائي، وإحياء الأصول الملموسة القابلة للاقتناء للسينما والمحتوى المعولم والمصمم حسب الطلب، هي ابتكارات قيّمة لأنها أصبحت الآن ممكنة، وذات أهمية استراتيجية، ويمكن تحقيق عائدات منها على الفور، وبالتالي يمكن أن تساعد قطاع السينما ليس فقط على البقاء، ولكن على الازدهار حقاً. ومع ذلك، ستتطلب هذه الابتكارات تحولاً في العقلية، مع توفّر المواهب والوقت والموارد المناسبة، ولكن أولئك الأذكياء والجريئين في مجال الأعمال هم من سيجنون أرباحاً حقيقية أثناء قيادتهم هذه القفزة النوعية.


image
image