تجمع الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أن عام 2022 كان عاماً حاسماً، إذ حدّدت خلاله قدرتها وتصميمها على التكيف والتغلب على التحديات. ليس من المستغرب إذاً أن يقع اختيار معجم كولينز ذلك العام على كلمة "Permacrisis"، أو "الأزمة الدائمة" لتكون كلمة العام، إذ تصف الشعور بالعيش في فترة الحرب والتضخم وعدم الاستقرار، على أنها كلمة العام.
وفقاً لمخرجات أحدث استقصاء عالمي سنوي أجرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) لآراء الرؤساء التنفيذيين، أعرب 66% من الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط عن عزمهم نشر الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات المتقدمة في مختلف عملياتهم. بالإضافة إلى ذلك، قدّرت شركة الأبحاث الأميركية غارتنر أن الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيبلغ 1.7 مليار دولار أميركي في عام 2022، ما يؤكد أن المنطقة تشهد أكبر فترة لإنتاج البيانات في التاريخ في ضوء الإحلال الملحوظ الذي يشهده الاقتصاد العالمي.
كشف بحث أكملته شركة ستاتيستا بتوكيل من شركة البيانات الدولية، آي دي سي (IDC)، عن زيادة هائلة في حجم البيانات التي ستتولّد بحلول عام 2025 تصل إلى 180 زيتابايت كل عام. لتوضيح هذا الحجم، يتطلّب تخزين زيتابايت واحد فقط من البيانات 41.5 مليون محرك من أكبر محركات الأقراص الثابتة المتوفرة في العالم (24 تيرابايت). كما أشار هذا البحث أيضاً إلى أنّ 2% فقط من البيانات التي أُنتجت واستُهلكت في عام 2020 حُفظت واستُخدمت في العام التالي.
وهذا بالفعل ما تؤكده غارتنر، في تقريرها "أهم الاتجاهات التي ستؤثر على مزودي التكنولوجيا حتى نهاية عام 2023"، إذ تحثّ الشركة على أنّ الموازنة بين "التخطيط القصير الأجل" و "الاستراتيجية الطويلة الأجل" هما مفتاح الازدهار والجاهزية للتصدّي لمختلف "الصدمات المباشرة التي يتعرض لها الاقتصاد ولتأثير الأزمة الدائمة القوي في تشكيل اتجاهات الشركات".
كما تقدّر غارتنر أيضاً أن عدد موظفي المعرفة الذين يضيفون قيمة إلى الشركات التي يعملون معها على مستوى العالم قد تجاوز مليار عامل في عام 2019، إذ تجد الشركات الآن أنها بحاجة إلى السعي للحفاظ على تنافسيتها، بينما تتطلب إتاحة البيانات وتمكين موظفي المعرفة إضفاء الطابع الديمقراطي على العمليات التحليلية.
لماذا لا تستطيع التكنولوجيا وحدها حل المشاكل البشرية؟
إضفاء الطابع الديمقراطي على تحليل البيانات، أي تمكين أي شخص في مؤسسة أو شركة من العمل مع البيانات وتحقيق قيمة ملموسة منها، ليس حلاً قصير المدى، ولن تُعالج فجوة مهارات التحليلات عن طريق تدريب المزيد من الأشخاص على التشفير.
بدلاً من ذلك، يجب النظر إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على التحليلات على أنه التغيير المطلوب لموافاة متطلبات السوق. يكمن الحل لسد هذه الفجوة الجديدة بين البيانات والرؤى المستنبطة منها في الاستعانة بفرق المحاسبة وخبراء التسويق وقادة المبيعات ومدراء الخدمات اللوجستية، بشرط أن يتمتّعوا بالجاهزية والمعارف الكافية وأن يُمنحوا الصلاحيات الكافية للعمل.
يحتاج قادة الأعمال دائماً إلى رؤى مستنيرة لتوجيه قراراتهم. ومع ذلك، ففجوة مهارات البيانات التي يشهدها العالم اليوم ناجمة عن التركيز الشامل على علماء البيانات. لدى البشر خبرات تمتد آلاف السنين في استخدام تقنيات لا نفهمها، فالتكنولوجيا ليست سوى عامل تسهيل للخبرات البشرية التي تقف وراءها.
في مطلع الألفية، كان أول علماء البيانات نخبة من علماء الرياضيات والفيزياء والإحصاء ممّن عملوا على ترميز البيانات واستخراجها يدوياً من أقسام منعزلة لتقديم رؤى تجارية مستنيرة. قد يكون هذا المجال الجديد وقتها هو السبب أن "عالم البيانات" أصبح مرادفاً إلى حد ما لمفهوم "تحليلات البيانات".
في الواقع، ثمة حاجة إلى موظفين في مجال المعرفة قادرين على العمل بفعالية مع البيانات وحل المشكلات بطرق إبداعية، وليس بالضرورة أن يكونوا متمكّنين من مهارات البرمجة، بل أن يكونوا قادرين على استخدام تقنيات خالية من التعليمات البرمجية أو الترميز ولديهم معرفة بجوانب العمل والأسئلة التي قد تُطرح.
ضرورة التغيير وأهميته الاستراتيجية
يشهد العالم حالياً تحولاً كبيراً في كيفية إنجاز الأعمال. لكن، وعلى الرغم من التغيير الهائل في حجم البيانات المراد معالجتها وضرورة العمل والتفاعل بسرعة، ما زالت شركات كثيرة تستخدم إلى الآن أدوات قد عفاها الزمن للإجابة عن أسئلة اليوم. لا شكّ أن استخدام جدول بيانات على الكمبيوتر للتعامل مع مليار صف ضمن لائحة إكسل مثلاً (billion rows) من بيانات الشركة ومن ثم معالجتها للحصول على رؤى مستنيرة وقيّمة طريقة غير فعالة على الإطلاق.
ما يفاقم هذه التحديات هو حقيقة أن العالم يواجه أكبر نقص في خبراء البيانات نظراً إلى الحاجة المتزايدة لهم يوماً بعد يوم. وجد الاستقصاء العالمي للرؤساء التنفيذيين الذي أجرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز أنّ ثلثي الرؤساء التنفيذيين ينظرون إلى الإحلال التكنولوجي، أي استبدال الانسان الماهر بآلة أو تقنية معينة، على أنه مشكلة رئيسية في الشرق الأوسط، وأعرب 74% من الرؤساء التنفيذيين في المنطقة عن نيتهم تطوير مهارات القوى العاملة والارتقاء بها في شركاتهم.
يظل العنصر البشري والذكاء البشري أعظم مورد لأي شركة، ولكن من دون مجموعات المهارات والثقافة المناسبة الضرورية للدعم والتمكين ستظل المعارف والخبرات المكتسبة غير مستغلة في الأقسام المختلفة.
فجوة المهارات هي أحد الأعراض فقط، فالمشكلة الحقيقية هي أن قادة الأعمال لا يحصلون على المعلومات الضرورية بالسرعة التي يحتاجونها لاتخاذ القرارات الصحيحة. يقدّر تقرير برايس ووتر هاوس كوبرز أن الاقتصاد العالمي سيكسب 6.5 تريليون دولار أميركي بالحد الأدنى بحلول عام 2030 من خلال زيادة الإنتاجية عند معالجة فجوات المهارات الحالية.
ومع ذلك، يشعر موظف واحد فقط من بين كل ثلاثة موظفين في جميع أنحاء العالم أن شركته قد مكّنته من تنمية مهاراته الرقمية الأساسية القابلة للنقل. لا شك أن لدينا التكنولوجيا المناسبة وأن هناك حاجة ملحةّ، بل ضرورة استراتيجية، للخروج من الأزمة الدائمة، لكننا نفتقد إلى الأفراد المتمكنين للعمل بفعالية على تحقيق ذلك.
والآن، مع توفر المزيد من البيانات أكثر من أي وقت مضى والنقص المتزايد في مهارات القوى العاملة المتمكّنة لإدارتها، سننجح بتسخير التكنولوجيا لتحقيق الكثير عندما نحرص على إضفاء الطابع الديمقراطي على البيانات لتمكين الخبراء داخل الأقسام.
ولأن حجم البيانات التي تولّد يزداد بدرجة كبيرة وعلى نحو مطرد كل يوم، فالطريقة الوحيدة لتسخير قيمتها من أجل اتخاذ قرارات كفيلة بتبديد الركود الاقتصادي هي إضفاء الطابع الديمقراطي عليها وتمكين الجميع من الوصول إليها، والأتمتة. باختصار، وضع الأدوات المناسبة في أيدي الأشخاص المناسبين الذين يرغبون في حل المشاكل ولديهم شغف وحماس لتعزيز قدراتهم للوصول إلى رؤى مستنيرة وقيّمة لشركاتهم.