المحتوى محمي
المحتوى محمي
نفط وطاقة

قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط قد يفاقِم التضخم

إن أحد أسباب قوة التسعير الهائلة لمنظمة أوبك+ في الوقت الحالي هو أن الدول الأخرى لم تستثمر في إنتاج النفط، وهذا "يوفّر قوة سوقية أكبر بكثير للمنظمة، والتي تستفيد من هذا النفوذ متى أمكنها ذلك".

بقلم


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية، تصميم: أسامة حرح)

أثبتت منظمة أوبك+ (OPEC+)، وهي اتحاد عالمي للدول المنتجة للنفط، مجدداً تأثيرها الذي لا مثيل له على أسواق الطاقة، حتى لو كان ذلك يعني ارتفاعاً جديداً بالتضخم في جميع أنحاء العالم.

فقد أعلنت مجموعة الدول المتحالفة في مجال إنتاج النفط، بما فيها المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة، يوم الأحد أنها ستخفض إنتاج النفط بنحو 1.2 مليون برميل من الخام يومياً بين شهر مايو/أيار المقبل ونهاية العام. كما أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، يوم الأحد أن بلاده ستمدد العمل بقرارها تخفيضَ الإنتاج الذي بدأ في الشهر الماضي، وذلك حتى نهاية عام 2023 أيضاً.

وهذا يعني بشكل كلّي تقليل المعروض النفطي العالمي بنحو 1.7 مليون برميل يومياً، أو ما يمثّل 1% من الإنتاج العالمي الحالي البالغ 100 مليون برميل يومياً.

وكان الهدف الأساسي من تأسيس منظمَتي أوبك وأوبك+ هو تسهيل التعاون بين الدول الغنية بالنفط وتعظيم الأرباح، وهو ما يرتبط بقدرة عشرات الدول المنتجة للنفط على إزالة كميات كبيرة من النفط من السوق بين عشية وضحاها، ونادراً ما يكون تأثير منظمة أوبك+ موضعَ ترحيب لدى البلدان غير الأعضاء والتي تعتمد على نفط الدول الأعضاء.

وقال الخبير الاقتصادي والرئيس العالمي لأبحاث السلع في بنك غولدمان ساكس (Goldman Sachs)، جيف كوري، لشبكة سي إن بي سي (CNBC) يوم الاثنين إن "قوة تسعير أوبك أعلى مما كانت عليه في أي وقت مضى، وسوف تواصل المنظمة استخدام هذا النفوذ".

ويشكّل خفض إنتاج النفط مخاطر برفع أسعار الوقود والبنزين في الولايات المتحدة، إذ كانت هذه الأسعار من الجوانب القليلة المبشّرة في أخبار التضخم منذ أن بدأت الأسعار في الانخفاض الحاد الصيف الماضي. وذلك بعد أن ارتفعت في أوائل العام الماضي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا واضطراب أسواق النفط والغاز الطبيعي العالمية، وبينما ما تزال أسعار النفط الخام الأميركي أقل بشكل ملحوظ من ذروتها التي بلغت 130 دولاراً للبرميل في الربيع الماضي، فقد ارتفعت الأسعار إلى 80.12 دولاراً يوم الاثنين بزيادة أكثر من 5 دولارات عن أسعارها يوم الجمعة.

وعلى الرغم من أن أسعار البنزين ما تزال أقل بكثير من ذروتها في العام الماضي، أوضحت الجمعية الأميركية للسيارات (AAA) إن الأسعار كانت ترتفع لعدة أيام قبل الإعلان عن تخفيضات الإنتاج حتى، وهذا ناجم إلى حد كبير عن زيادة الطلب.

مناورة أرباح منظمة أوبك+

قال كوري إن أحد أسباب قوة التسعير الهائلة لمنظمة أوبك+ في الوقت الحالي هو أن الدول الأخرى لم تستثمر في إنتاج النفط، وهذا "يوفّر قوة سوقية أكبر بكثير للمنظمة، والتي تستفيد من هذا النفوذ متى أمكنها ذلك".

وقد استجاب البيت الأبيض في مارس/آذار لارتفاع أسعار النفط عن طريق السماح باستخدام كميات كبيرة من احتياطي البترول الاستراتيجي الأميركي (U.S. Strategic Petroleum Reserve) بهدف زيادة المعروض، وهذا قد أدّى إلى تضاؤل المخزون الاستراتيجي. وقالت وزيرة الطاقة الأميركية، جينيفر غرانهولم، الأسبوع الماضي إن إعادة ملء الاحتياطي قد تستغرق سنوات، مضيفة إن الحكومة ستبدأ على الأرجح في شراء النفط من الشركات لإعادة ملء الاحتياطي في وقت لاحق من هذا العام.

ولكن على الرغم من المخاوف بشأن أمن الطاقة في الولايات المتحدة والدعوات من إدارة الرئيس بايدن، كانت الشركات مترددة في زيادة الإنتاج المحلي منذ العام الماضي، إذ أشار بعض الرؤساء التنفيذيين في قطاع النفط إلى أن الطاقة الإنتاجية في الولايات المتحدة قد وصلت بالفعل إلى الحد الأقصى.

وأوضح كوري إن ذلك يفاقم أثر سيناريو خفض إمدادات الطاقة العالمية من دول منظمة أوبك+ بهدف زيادة الأرباح. وقال: "الهدف من هذا القرار هو تعظيم إيرادات دول منظمة أوبك فقط في الحالات كافة".

ويعد خفض إنتاج النفط استراتيجية متكررة للدول التي تعاني من انخفاض أرباح الطاقة مثل روسيا، وهي عضو في منظمة أوبك+، إذ إنّه على الرغم من زيادة صادرات النفط الروسية إلى الصين، فقد تسبّب اضطراب تجارة النفط مع أوروبا والعقوبات الغربية على روسيا في انخفاض إنتاج النفط بأسرع معدل له منذ التسعينيات. ومن المرجّح أيضاً أن تنظر الولايات المتحدة إلى تخفيضات الإنتاج في المملكة العربية السعودية على أنها استعراض لنفوذها، فقد حثّت الولايات المتحدة السعودية منذ العام الماضي على زيادة الإنتاج وتضييق الخناق على المصدر الرئيسي لإيرادات لروسيا من خلال خفض أسعار النفط العالمية.

وفي حين أن تخفيضات الإنتاج قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط على مستوى العالم، فإنها قد تكون مؤقتة، إذ أوضحت كل من روسيا ودول منظمة أوبك إن توقعاتهم بشأن مستقبل السوق حذرة، وأشارت منظمة أوبك في بيان إلى أن تخفيضات الإنتاج كانت "إجراءً احترازياً بهدف دعم استقرار سوق النفط". كما قال نائب رئيس الوزراء الروسي، نوفاك، إن تمديد تخفيضات النفط في بلاده قد كان "إجراءً مسؤولاً ووقائياً"، وذلك وفقاً لبيان أوردته وكالة أنباء تاس (TASS) الروسية الحكومية.

لكن بعض الخبراء جادلوا بقولهم أيضاً إن تخفيضات الإنتاج قد لا تؤدي فعلياً إلى زيادة ملحوظة في التضخم، إذ قال الرئيس العالمي لأبحاث السلع في بنك سيتي غروب (Citigroup)، إد مورس، في مقابلة مع شبكة سي إن بي سي في مارس/آذار إن أحد أسباب زيادة التضخم قد يكون أن الطلب على النفط أضعف مما تتوقّعه الأسواق، مضيفاً إن الطلب سيتقلّص بغض النظر عن التباطؤ الاقتصادي الذي يلوح في الأفق.

وقال خبراء آخرون إن زيادة إنتاج النفط من الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك+ ومن مصادر أخرى يمكن أن تعوّض خفض الإنتاج، إذ قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي بكلية وارتون (Wharton)، جيريمي سيغل، لشبكة سي إن بي سي يوم الاثنين إن "العديد من موارد الطاقة لن يشهد ارتفاعاً في الأسعار، على الأقل على المدى القريب"، مشيراً إلى أسعار الغاز الطبيعي المنخفضة نسبياً، والتي قد تعوّض ارتفاع أسعار النفط. وأضاف إن "أسعار الغاز الطبيعي قد انخفضت إلى مستويات قياسية جديدة، كما أن هذا المورد أهم في مجال التدفئة وإنتاج الكهرباء".

ومن المتوقع أيضاً أن يكون نمو إمدادات النفط العالمية لهذا العام مدفوعاً بجهود مجموعة من البلدان المنتجة للنفط من خارج أوبك+ حسبما أوردته الوكالة الدولية للطاقة (International Energy Agency)، وذلك بقيادة الولايات المتحدة والبرازيل والنرويج وكندا وغويانا، والتي ستضخ بشكل جماعي رقماً قياسياً يقدّر بنحو 1.2 مليون برميل إضافي يومياً هذا العام.


image
image