المحتوى محمي
المحتوى محمي
آراء وخبرات

ما معنى أن تدرك الشركات العربية أخيراً أهمية السمعة؟

إن اكتساب سمعة الشركة يحتاج لجهد وعمل، يبدأ من خلق بيئة وثقافة داخل الشركة وخارجها، والانتقال من مصلحة المساهمين إلى مصلحة أصحاب المصلحة.

بقلم


money

حمود المحمود، رئيس تحرير فورتشن العربية، ورئيس المحتوى في مجرة (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

كشف تقرير جديد شمل استطلاعاً لقيادات الشركات في منطقة دول الخليج العربي، أن أهم الأولويات التي بات التنفيذيون في الشركات يهتمون بها بعد جائحة كوفيد-19 هي "سمعة الشركات"، حيث بينت نسبة 43% من الإجابات أن مخاطر سمعة الشركات يجب أن تأتي في قائمة الأولويات.

التقرير الذي أعدته أبكو العالمية بالتعاون مع معهد مجالس الإدارة في دول مجلس التعاون الخليجي، واستطلع الآراء حول مستقبل الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، كشف أن الاهتمام بالسمعة سيكون له دور رئيسي في التغيير الذي سيطرأ على مستقبل الشركات في المنطقة. 

في الوقت الذي تحاول فيه بعض الشركات أن تُظهر صورة لسمعتها أكبر مما هي عليه في الواقع عبر بيانات العلاقات العامة، فإن اكتساب سمعة الشركة يحتاج لجهد وعمل، يبدأ من خلق بيئة وثقافة داخل الشركة وخارجها، والانتقال من مصلحة المساهمين (Shareholders) إلى مصلحة أصحاب المصلحة (Stakeholders)، وهذا يشمل الموظفين والعملاء والمجتمع المحيط بهما. وقد حضرت مؤخراً محاضرة للبرفيسور نيل مالهوترا مؤلف كتاب "القيادة مع القيم"، وعلى عكس ما يوحي به عنوان الكتاب، فإنه يؤيد فكرة الباحث الأميركي ميلتون فريدمان في مقالته الشهيرة التي نشرها عام 1970، بعنوان "تتحقق المسؤولية الاجتماعية للشركات بزيادة أرباحها" (The Social Responsibility Of Business Is to Increase Its Profits)، ويدّعي البروفيسور فريدمان أن سعي الشركات للأرباح سيؤدي إلى تحقيق النمو، وتحقيق النمو سيعود بالخير على المجتمع والعاملين واقتصاد الدولة. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة يعارضها اليوم كبار الاقتصاديين وقادة الشركات، إلا أنها متجذرة عند الكثيرين وتتسبب في إساءة سمعة الشركات، وحسب التقرير الجديد الذي ذكرناه والذي استطلع آراء التنفيذيين في دول الخليج العربي، فقد تبين أن 52% فقط من مجالس الإدارة ينظرون بإيجابية إلى مبادرات الشركات في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، بينما الباقي ينظر إليها بأقل إيجابية.

 وقد عبّر الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك (BlackRock) أكبر شركة في العالم لإدارة الأصول، لاري فينك، عن رأيه المؤيد لرأسمالية أصحاب المصلحة، ويوضح سبب ذلك بقوله: "نحن نركز على الاستدامة ليس لأننا دعاة حماية البيئة، ولكن لأننا رأسماليون ومؤتمنون على عملائنا". أي بمعنى آخر، أنه اختار نظرية أصحاب المصلحة بسبب مصلحة الشركة وسمعتها لدى عملائها. 

وبعد النقاش الذي كنت طرفاً فيه مع البروفيسور الذي يرغب بإعادة طرح نظرية فريدمان في أن الربح هو هدف الشركات الوحيد، صادف أنني قمت في اليوم التالي بزيارة لإحدى أكبر الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا وهي سيلز فورس، واستمعت مطولاً إلى حديث المسؤولة عن برنامج الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، ثم سألتها عن تجربتها العملية وهي تنفق الملايين سنوياً لمشاريع مجتمعية لا علاقة لها بالـ "بزنس" بشكل مباشر، فهي تقود مبادرات حول العالم لزراعة الأشجار ومكافحة التغير المناخي ودعم التعليم وغيرها. وسألتها بوضوح: "كيف تنظر إدارة الشركة إلى المبادرات التي تشرفين عليها، والملايين التي تنفقينها سنوياً، هل تتعامل معك في الميزانية على أنها مصاريف وخسائر أم أرباح؟" وبعد أن ضحكت، أخبرتني بأن قناعة الشركة في تقديم مسؤوليتها الاجتماعية، هو أنها تريد ذلك لمصلحة سمعتها في النهاية، ولذلك فهي تتعامل معها كأرباح، وقد قالت بوضوح، بأن تخصص شركة سيلز فورس هو بيع البرمجيات، وهذا منتج غير ملموس، أي أن الناس لا يرونه ويصعب تقدير قيمته دون استخدامه، وهناك الكثير من المنافسين في هذا المجال، لكن سيلز فورس تحصل دوماً على ردود أفعال من العملاء المحتملين، بأنهم يختارون منتجاتها بسبب سمعة الشركة، ليس فقط سمعتها من حيث جودة المنتجات، بل سمعتها كشركة تحظى باحترام المجتمع.

تبدأ أهمية بناء السمعة من الشركات، وتصل إلى الدول، وقد لفت نظري مؤخراً في رسالة رئيس دولة الإمارات الجديد الشيخ محمد بن زايد عند توليه المنصب، أنه أكد على أن "السمعة" هي إحدى أهم ركائز الاقتصاد في دولة الإمارات ، وأنها ستبني على هذه السمعة لتحقيق المزيد من النجاح.

 


image
image