المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
قصة ريادة

أعناب تنهض بقطاع التعليم بتدريب المعلمين

ثبّتت جائحة كوفيد-19 التعليم الرقمي كمكوّن أساسي في النهج التعلّمي في السعودية، ما أتاح لأعناب ولادة جديدة في 2019-2020، كمنصة للتطوير المهني للمعلمين عبر الإنترنت.

بقلم


money

منيرة جمجوم، الشريكة المؤسسة والرئيسة التنفيذية في منصة أعناب (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

تكونت فكرتها عام 2015 بأن تقوم بتوفير سوق إلكترونية للمعلم يشارك فيها ما يعرفه ويمتلكه من معلومات مع معلمين آخرين، لكن عدم نضوج السوق الإلكترونية حينها وغياب الدراية الكافية بأهمّية مثل هذه الخدمة، شكّلا عائقاً اصطدمت به فكرة "أعناب".

الخبيرة والمستشارة في القطاع التعليمي السعودي، منيرة جمجوم، صاحبة الفكرة والمؤسسة، تقول في حديثها مع فورتشن العربية: "لم تتوفّر المهارة في تطوير المحتوى الرقمي عند العاملين في قطاع التعليم ليتمكنوا من تصميم مواد التدريب إلكترونياً، كما أنّ جودة محتوى التدريب باللغة العربية لم تكن بالمستوى المطلوب لحفظ الحقوق الفكرية أو لتبادلها مع معلمين آخرين لتكون مصدر دخل".

جائحة كوفيد-19مسّت بجوهر كثير من الأعمال وغيّرتها جذرياً بوقت قصير، ولعلّ تلك المعادلة تنطبق على قطاع التعليم بمثالية تامة، وأعناب السعودية خير دليل على ذلك، حيث ثبّتت الجائحة التعليم الرقمي كمكوّن أساسي في النهج التعلّمي، ما أتاح لأعناب ولادة جديدة في 2019-2020، كمنصة للتطوير المهني للمعلمين عبر الإنترنت، يتحول المعلم من خلالها إلى صانع محتوى تعليمي ويتبادل المعلومات مع معلمين آخرين.

ومع التطوّر الذي أحدثته الجائحة تتوقّع جمجوم أن تكون سوق التعليم الإلكتروني جاهزة خلال عامين. "اليوم بدأنا نرى مؤهلات فعلية للمعلمين. وبعد التجارب، قررنا المضي بأعناب كمنصة تدريب للمعلم العربي، لأننا لمسنا حاجته إلى التعليم والتأهيل في كافة المجالات كالتعامل مع حاجات الطلاب المختلفة أو تمكينه في عالم الويب 3 أو البيتكوين. فأدخلنا برامج تحاكي حاجات السوق".

نيّة جمجوم كانت بناء شيء مؤثر خلال عشر سنوات. ولعل شرح اسم "أعناب"، أي "أطال العنب"، يختصر في الواقع رؤية وهدف المنصة، إذ تعمل على إتاحة أفضل برامج التعليم والتدريب في العالم للمعلم العربي بأسعار معقولة، وبجودة عالية. 

"عند إطلاق دورات المنصة، قمت أنا بتقديم أول دورة؛ فمن المهم جداً عندما تكون رائد أعمال أن تجرب المنتج الذي تقدمه للسوق، وكانت الدورة عن عقلية النمو (Growth Mindset). وفي أوّل أسبوع، تسجّل نحو 17 ألف معلم دون مقابل. كان هذا مؤشراً على الجوع لمحتوى جديد للمعلم كي يتمكن من تطوير أدائه".

وجمجوم، الشريكة المؤسسة والرئيسة التنفيذية في منصة أعناب، خبيرة في هذا القطاع وتدرك حاجاته الحقيقية. فقد عملت كشريكة مؤسسة ومديرة تنفيذية سابقة في شركة إمكان التعليمية، وهي شركة متخصصة في تطوير المدارس والاستشارات التعليمية. كما شغلت منصب مساعد محافظ السعودية في هيئة التقييم والتدريب والتعليم، وفي عام 2012، عملت كأخصائي للأبحاث في مركز الفكر ومركز أبحاث بوز أند كومباني Booz & Company في الشرق الأوسط، إضافة إلى كونها عضواً في مجلس أمناء جامعة دار الحكمة للبنات في جدة، وعضواً استشارياً سابقاً في مجلس إدارة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني للمرأة. وهي حاصلة على دكتوراة في التربية والتعليم من جامعة أكسفورد، ودرجة الماجستير من جامعة كولومبيا، وبكالوريوس الآداب في التربية الخاصة من جامعة دار الحكمة. 

التركيز على المفقود 

تقول جمجوم: "المعلّم أهم عنصر في الحلقة التعليمية، وإذا ما أصبح المعلّم أكثر قدرة وتم تمكينه، سينعكس ذلك على النظام التعليمي برمّته (Good teacher, good system)". وتضيف: "إذا أردت تنشئة جيل مدرك وملمّ ويفهم، عليك بتمكين المعلم".

ويشير تقرير للبنك الدولي أنّه، وبغض النظر عن طريقة التعلم والتكنولوجيا المتاحة، يلعب المعلمون دوراً مهماً، ويعد التطوير المهني المنتظم والفعال للمعلم أمراً أساسياً. وبالتالي، يتوجّب دعم وتطوير الأدوات الرقمية والتربوية للتدريس الفعال في كل من الإعدادات الحضورية أو عبر الإنترنت. 

وتشرح جمجوم أنّ التركيز على الطالب موجود، وقد أخذ حيّزاً كبيراً من المبادرات وخدمات شركات تكنولوجيا التعليم (Edtech)، في حين يفتقر المعلم إلى تركيز مماثل. وعلى سبيل المثال، لم تكن المدارس تخصص رساميل لتطوير المعلم، أمّا الآن، فقد بدأت مؤسسات تعليمية كثيرة تهتم بتدريب المعلمين وتمكينهم لتحسين أدائهم مدفوعة بالتنافسية الكبيرة الموجودة في السوق. 

تحديات السوق

على الرغم من الفرص العديدة في هذا القطاع، إلا أنّ تحديات كثيرة تعترضه. فحسب جمجوم، يفتقر قطاع تقنيات التعليم إلى التنوع وتعدد النماذج في العالم العربي. "هناك نماذج ممتازة في قطاع تقنيات التعليم [تتوجّه للطلاب بشكل عام] مثل لمسة ونون وليتل ثينكينغ مايندز (Little Thinking Minds) وغيرها، ولكنها ليست كثيرة"، وأضافت "من أبرز التحديات هو افتقاد القطاع للحوكمة والنضوج، إنما هذا الواقع سيتغير مع الوقت، وهناك تعاون كبير مع الحكومات على صعيد وضع السياسات الملائمة كما أن هناك تحدي هيكلة سوق تقنيات التعليم". 

تشرح جمجوم أنه لا يمكننا الجزم بأن هناك نموذجاً معيّناً حقق نجاحاً كبيراً في القطاع مثل ما حصل في الولايات المتحدة حين وصلت شركات تقنيات التعليم إلى الاكتتابات العامة في2021، لكنها تؤكد أنّ المنطقة سائرة في هذا الاتجاه.

وتحدد جمجوم تحدياً آخر يواجه القطاع وهو جهوزية المدارس والمعلمين للتعاون مع التقنيات، إذ إنّ وقع التعليم الرقمي كان أسهل على الطلاب منه على الجسم التعليمي، فالمدارس والمعلمون لم يكونوا جاهزين خاصة في المناطق غير الرئيسية.

أما التحدي الثالث، فهو قلّة المواهب التي تعمل في هذا المجال مثل التعليم الرقمي والتصميم (Instructional design). والاستثمار ضروري هنا لبناء هذه الخبرات وهذه المواهب.

تفاصيل العمل

توفر منصة أعناب خدماتها عبر قنوات ثلاث: 

  • للأفراد (Business to consumer): حيث يستطيع المعلم الدخول واختيار التدريب الذي يريده.
  • للمدارس (Business to business): حيث يمكن للمدارس الاشتراك سنوياً وإتاحة التدريب لمعلميها.
  • للحكومات (Business to government): حيث توفر المنصة التدريب للمعلمين في القطاع الرسمي.

وتضم المنصة في الوقت الحالي شبكة من 130 ألف معلم عربي يتدربون عبرها، وأكثر من 100 مدرسة أغلبها في السعودية والإمارات. وقد انضمت إلى المنظومة مدرسة في تونس حديثاً بعد أن أحب أحد معلميها المنتج فنصح مدرسته بالمنصة. والأمر نفسه حصل مع مدرسة في سلطنة عمان.

تتيح المنصة للمعلم متابعة تطوره، كما تستطيع المدرسة متابعة تطور معلميها. وتقول جمجوم: "لدينا مجموعات مدارس لها ما يفوق 1700 معلم مثلاً. تستطيع المدرسة متابعة تطور معلميها عبر المنصة، من خلال متابعة مدى التطور المهني (corporate training) للمعلمين، ونسب الاجتياز، وقياس الأثر، ونسب النجاح.

تقوم برامج أعناب على دورات غير متزامنة، يعدّها مصممون تعليميون بالتعاون مع مراجع أكاديمية محلية وعالمية كهارفرد وكامبريدج على سبيل المثال. وتوفّر المنصة دورات مجانية وأخرى مدفوعة، ودوراتها باللغة العربية مترجمة عن مدربين غير عرب.

تقول جمجوم إنّ المنصة كانت بمثابة النسخة العربية من منصات تعليم عالمية مثل كورسيرا ويوداسيتي قبيل جائحة كوفيد-19. وبعد الجائحة، أصبح للقطاع أنظمة، كتلك التي ترعى التدريب المتزامن على سبيل المثال، وأصبحت هناك مواصفات تحدد جودة حصة التدريب الرقمية مثلاً. "هذه الأمور ساعدتنا كثيراً، وأصبحنا معترَفاً بنا من قبل كثير من الهيئات التنظيمية في السعودية لأننا بدأنا باكراً وعملنا مع هذه الهيئات ومع القيّمين على القطاع وكانوا متعاونين جداً". 

أما دفع ثمن الدورات فيتم عبر تحويلات بنكية، أو من خلال البطاقات الائتمانية، كما أطلقت المنصة وسيلة الدفع اللاحق (Buy now pay later) مع تمارا، وهي شركة تعمل في قطاع التقنية المالية "اشتر الآن وادفع لاحقًا". وتقول جمجوم: "تتيح هذه الخدمة للمعلم تقسيط ثمن الدورة على أربع دفعات مثلاً قناعة منا بأهمية أن يستثمر المعلم في نفسه". تتراوح أسعار الدورات بين 150 و300 ريال (بين 39.90 و79.70 دولاراً)، وهي معتمدة وموثقة. أما إذا كانت مؤهلة، كدورات الدبلوم مثلاً، كتخصص معلمة طفولة مبكرة، فيمكن أن تتراوح بين 1200 إلى 4 آلاف ريال وهي طويلة المدى (4- 6 أشهر).

شهادات أعناب موثوقة ومعتمدة من جهات الاعتماد (صاحبة الكورسات) سواء كانت عالمية مثل هارفارد أو محلية، وتدرس أعناب حالياً كيفية مواءمة دوراتها التدريبية مع الدول العربية أخرى إذ إنّ لكل دولة نظاماً مختلفاً. 

أبرز مجالات التدريب

يشكّل دمج التقنية بالتعليم أكثر المجالات المطلوبة عبر منصة أعناب، إضافة إلى استراتيجيات التعليم الحديثة (General pedagogy)، والمواد التخصصية، مثل كيفية تدريس الرياضيات، لأن التدريب لا يخدم المعلم في تخصصه أحياناً، فهناك ضعف في فهم المادة العلمية وهذه المشكلة الأكبر، حسب جمجوم.

وتشرح جمجوم أنّ هناك طلباً وتركيزاً متنامياً على الصحة النفسية في المدرسة، مثل الدمج، والتعامل مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم، وهو مهم جداً، وهناك طلب كبير عليه في المنصة. وقد أطلقت المنصة مؤخّراً مجال الرخص المهنية (Professional certifications)، لأن الرخص المهنية إلزامية على المعلمين في بعض الدول، وهو أمر جيد لأنه يرفع جودة التعليم ويؤكد أن من يدخل هذا القطاع هو شخص مؤهل. 

أهمية التعاون والقطاع العام

تشرح جمجوم عن أهمية المبادرات مع قطاع التعليم الرسمي حيث أعداد المعلمين كبيرة مع فرص للتوسع على نطاق أوسع (Large scale upscaling). وتقول: "هناك أكثر من 3 ملايين معلم في العالم العربي، ونحو 140 ألف مدرسة معظمها مدارس حكومية، لأن قطاع التعليم هو قطاع خدمي والحكومات مسؤولة عنه. وبالتالي، لا ينفع بناء شركات تقنيات التعليم وإغفال التعاون مع القطاع الحكومي، وعلى هذه الشركات تصميم منتجها بطريقة تجعله يخدم القطاع الحكومي والقطاع الخاص".

وتضيف: "على الحكومات أن تتعلم من رواد الأعمال، لأن لهؤلاء مساحة أكبر للابتكار والتجربة وكثيراً ما تكون حلولهم مفيدة لحل مشاكل كبيرة". 

التوسّع عربياً

تتلقى أعناب من 600 إلى 700 تسجيل أسبوعياً، وتعمل على الوصول إلى 2000 مدرسة خلال 18 شهراً، في الخليج ومصر. وتقول جمجوم: "نحن نتعلم أكثر من المدارس كيف يتم التطوير المهني على مستوى المدرسة لأن نسب الإكمال للمعلمين المنتمين إلى مدارس أعلى من تلك التي تقوم على الأفراد، فأثر التدريب ضمن المجموعة أعلى لأنه أكثر تفاعلية". وتضيف: "نركز حالياً على 2000 مدرسة في القطاع الخاص، والتي يمكن أن تستفيد من خدمة أعناب". وتشرح أنّ مصر من بين الأسواق المستهدفة، إذ فيها نحو 9 آلاف مدرسة خاصة، فضلاً عن دول الخليج، وخصوصاً الإمارات والسعودية: "في الخليج، نسب الالتحاق بالمدارس الأهلية والعالمية مرتفعة، وتصل في الإمارات إلى 70%، أمّا في السعودية فهي تتراوح بين 12 و13%، وهي نسبة منخفضة قليلاً، وهناك مساع لرفع معدل الالتحاق إلى 25%. وعلى الرغم من هذا الانخفاض فهي تضم 7000 مدرسة". وتقول إنّ العمل مع القطاع الخاص يرفع من جودة خدمات المنصة إذ يمكّنها من فهم المتطلبات والحاجات أكثر.

وعلى صعيد التمويل، تشرح جمجوم أنه سبق لهم وجمعوا تمويلاً بذرياً من خلال ومضة كابيتال ونور نوف للمعرفة في مارس/آذار 2020. وحالياً تستعد أعناب لإتمام جولة استثمارية أ بين نهاية 2022 و2023. وتضيف جمجوم: "نحن نحقق الإيرادات، ولكننا سنبدأ بجني الأرباح ابتداءً من عام 2024، من خلال فرص التوسع مع الحكومات".

"أصبح التعليم الإلكتروني أداة مهمة لتحديد شكل التعليم في المستقبل"، حسب جمجوم التي نصحت رواد الأعمال بالعمل على حل المشكلة الحقيقية قائلةً: "على العاملين في قطاع تقنيات التعليم أنّ يفهموا التعليم جيداً، ليتمكنوا من حل المشاكل. وأحد الأمور التي ساعدتنا هو أنني تعليمية وشريكي تقني، فالبحث عن فريق العمل الذي سيساعدك في حل المشكلة هو التركيبة الصحيحة لنجاح المنتج".


image
image