يعتبر عام 2022 الأفضل أداءً لدول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2019 للاكتتابات العامة الأولية من حيث الحجم والعائدات، وذلك على خلفية الأنشطة الإقليمية القوية عبر كل من القطاعين العام والخاص، وزيادة وعي المستثمرين بإمكانيات المنطقة، وفقاً لتقرير "مراقبة أسواق رأس المال الخليجية- النصف الثاني 2022" من شركة بي دبليو سي (PWC) للأبحاث والتدقيق والاستشارات.
يقول رئيس أسواق المال في الشرق الأوسط في بي دبليو سي، محمد حسن، إن الأحداث الدولية الكبيرة مثل كأس العالم لكرة القدم في قطر ومعرض إكسبو 2020 في الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب بعض الاكتتابات العامة الأولية الضخمة، مثل الاكتتاب العام لشركة أرامكو السعودية بقيمة 29.4 مليارات دولار أميركي في عام 2019، أدت إلى زيادة وعي المستثمرين بإمكانيات المنطقة.
احتلت الإمارات والسعودية المرتبة الثالثة والسادسة على التوالي عالمياً من حيث عائدات الاكتتاب العام في 2022، وأسهمت بجزء كبير في ذلك رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية الإمارات العربية المتحدة حسب التقرير. تلك المبادرات دفعت نحو خصخصة عدد من الأصول الحكومية وطرحها للاكتتاب العام، ومنها الاكتتاب العام الأولي لهيئة كهرباء ومياه دبي– ديوا بقيمة 6.1 مليار دولار أميركي في أبريل/نيسان 2022 وهو ثالث أكبر طرح من نوعه عالمياً من حيث العائدات خلال 2022، إضافةً للاكتتاب العام الأولي لشركة زيوت الأساس- لوبريف التابعة لأرامكو السعودية بقيمة 1.3 مليار دولار أميركي في ديسمبر/كانون الأول.
يرى تقرير بي دبليو سي أن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي حققت "رقماً قياسياً" في 48 طرحاً أولياً عام 2022؛ إذ جمعت منها 22.9 مليارات دولار أميركي مقابل 21 اكتتاباً في 2021 جمعت منها 7.7 مليارات دولار.
وكانت أكبر 3 اكتتابات عامة في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2022 من حيث العائدات من نصيب هيئة مياه وكهرباء دبي، ثم بروج بي إل سي للكيماويات، التي تملك شركة بترول أبوظبي الوطنية أدنوك 50% منها، في سوق أبوظبي للأرواق المالية بقيمة 2 مليار دولار، ثم مطاعم أمريكانا بقيمة 1.8 مليار دولار وهو أول إدراج مزدوج بين السعودية والإمارات على الإطلاق عبر تداول في المملكة العربية السعودية وسوق أبوظبي للأوراق المالية بالإمارات.
في النصف الثاني
أما في النصف الثاني من العام الماضي، فقد كان هناك 25 اكتتاباً أولياً، 18 في الربع الرابع و7 في الربع الثالث، وكانت العائدات 9.2 مليار دولار أميركي موزعة على 7.2 مليار في الربع الرابع و2 مليار في الربع الثالث، مقابل 15 اكتتاباً أولياً في النصف الثاني من عام 2021 جمعت 7.1 مليار دولار أميركي في العائدات. بدا النشاط الأكبر واضحاً في نهاية النصف الثاني من عام 2022 وتحديداً في الربع الرابع.
وكانت أعلى 3 اكتتابات أولية في النصف الثاني من 2022 من نصيب مطاعم أمريكانا (أكبر طرح من نوعه في الفترة المرصودة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وثاني أكبر طرح عالمياً من حيث العائدات تلك الفترة)، ثم شركة أرامكو السعودية لزيوت الأساس– لوبريف، ثم المشغل الحصري لبوابات التعرفة المرورية في دبي- سالك خلال سبتمبر/أيلول بمليار دولار أميركي في سوق دبي المالي.
أرقام مستمرة بالنمو
حققت المملكة العربية السعودية 6.2 مليار دولار أميركي من خلال 18 اكتتاباً أولياً في أسواقها الرئيسية والموازية في تداول خلال النصف الثاني من 2022 (29% من جميع عائدات الاكتتاب العام في المملكة كانت من طرح أمريكانا)، مقابل 4.4 مليارات دولار أميركي في النصف الأول.
ويبدو أن زخم الطروحات في السعودية مستمر خلال 2023، إذ قال رئيس هيئة السوق المالية السعودية محمد القويز في فبراير/شباط الماضي، إن "هناك 23 شركة جرت الموافقة على إدراجها بالسوق المالية السعودية تداول، وهناك أكثر من 75 طلب إدراج بانتظار الموافقة"، مضيفاً "إذا نظرنا إلى ذلك بالتوازي فإنه يعطينا مؤشراً على أنه ما زال لدينا تدفق صحي جداً".
أما سوق دبي المالي في الإمارات، فقد جذب 4 اكتتابات عامة في النصف الثاني: شركة سالك، وشركة تيكوم المعروفة سابقاً باسم تيكوم للاستثمارات وهي تابعة لشركة دبي القابضة، وشركة الإمارات لأنظمة التبريد المركزي- إمباور، وتعليم القابضة لخدمات التعليم، وجمعت كلها نحو 2.4 مليار دولار أميركي أي ما يقرب من 26% من إجمالي عائدات دول مجلس التعاون الخليجي في النصف الثاني من عام 2022.
وبدوره، شهد سوق أبوظبي للأوراق المالية أيضاً إدراج شركة الرعاية الصحية الخاصة برجيل القابضة، وشركة المعلومات الجيومكانية القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي بيانات أيه آي بعائدات 300.1 مليون دولار و171.3 ملايين دولار على التوالي.
بلغت عائدات الاكتتاب السنوية في الإمارات 12.2 مليار دولار أميركي في سوق دبي المالي وسوق أبوظبي للأوراق المالية خلال عام 2022 كاملاً، مقارنة بـ 2.7 مليار دولار في عام 2021.
وفي بداية 2023، ومع انطلاق "قمة الاكتتابات العامة الأولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -دبي 2023" يناير/كانون الثاني، أكد المدير العام لدائرة الاقتصاد والسياحة بدبي ورئيس مجلس إدارة سوق دبي المالي، هلال المري، وجود اهتمام كبير من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة باستكشاف فرص الإدراج في أسواق الإمارات سعياً وراء تعزيز التنافسية والمرونة المالية، على حد تعبيره.
حديث المري يشير إلى عام نشط بالاكتتابات العامة الأولية، وقال إن "التحسينات العديدة للإطار التنظيمي لأسواق المال في دبي أسهمت في تطوير سوق جذابة وفعالة لمختلف الشركات، بما فيها المجموعات الحكومية والشركات الخاصة والعائلية، لطرح أسهمها عبر اكتتابات عامة وإدراجها في السوق بفضل توفر خيارات إدراج متنوعة تُلبي متطلبات تلك الشركات على اختلافها من حيث الحجم ومرحلة النمو ومحل التأسيس".
وكان لسلطنة عمان بعض النشاط في النصف الثاني من عام 2022، بإدراج صندوق اللؤلؤة للاستثمار العقاري بقيمة 71.6 ملايين دولار، وهو أول صندوق استثماري متوافق مع الشريعة الإسلامية في سلطنة عمان. ويتوقع التقرير أن يستمر نشاط الاكتتاب العام في عمان في المستقبل لأن جهاز الاستثمار العماني يتطلع للتخارج من عدد من استثماراته عبر الاكتتابات العامة الأولية في عام 2023.
ومن المتوقع حسب تقرير بي دبليو سي، أن يستمر الزخم في نشاط الاكتتاب العام في المستقبل القريب بدول مجلس التعاون الخليجي بدعم من السعودية والإمارات، سواء من خلال الكيانات المملوكة للقطاع العام أو الشركات الخاصة، حيث يعزو التقرير أساس نشاط الاكتتاب العام الفترة الماضية في المنطقة، إلى الزيادة المستمرة في أسعار الطاقة التي تؤثر بشكل إيجابي على الانتعاش المالي.