المحتوى محمي
المحتوى محمي
مالية ومصارف

أزمة بنكَي سيليكون فالي وسيغنتشر ليست جديدة بل هي تكرار لأزمة عمرها قرن كامل

كتب الخبراء في الفيدرالي الأميركي أن بنكَي سيليكون فالي وسيغنتشر "مشابهَين تماماً للبنوك الريفية الصغيرة في الثلاثينيات قبل ظهور التأمين على الودائع"، وذلك من حيث "قواعد ودائعهم المركّزة وغير المغطاة بالتأمين".

بقلم


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية، تصميم: أسامة حرح)

شهدت ثلاثينيات القرن الماضي خطوات جديدة كلياً من الحكومات في أعقاب حالات الذعر المصرفي التي حصلت خلال الكساد الاقتصادي والتي تسببت في فشل آلاف المؤسسات المالية، ونشأت إثر ذلك المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع (FDIC) وبدأت أعمالها في التأمين على الودائع، وكان الهدف من هذه المؤسسة منح الناس الثقة في النظام المصرفي، وتقليل احتمالية سحبهم لأموالهم.

لكن هذا التأمين على الودائع له حدود معينة، إذ يغطي فعلياً ما يصل إلى 250 ألف دولار لكل مودع فقط. لذلك عندما انهار بنك سيليكون فالي (Silicon Valley Bank) وبنك سيغنتشر (Signature Bank) في شهر مارس/آذار الماضي وأثار انهيارهما تأثيراً متموجاً في جميع أنحاء القطاع المصرفي، شاعت الأحاديث بشأن الودائع غير المؤمَّنة ضمن البنوك والتي بلغ مجموعها الملايين وحتى المليارات، ووصف الكثيرون غياب التأمين هذا بأنه من العوامل الرئيسية وراء حالة الذعر، وذلك إلى جانب رفع البنك الفيدرالي أسعار الفائدة وهلع المودعين الذي تفاقم نتيجة شائعات وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من تغطية المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع البنكين المذكورين، فإنهما يتشابهان مع نحو 9,000 بنك فشلوا في الثلاثينيات وفقاً لمدونة جديدة أعدّها خبراء اقتصاديون في الفيدرالي الأميركي في نيويورك (Federal Reserve Bank of New York)، ويُذكَر أن العديد من ودائع البنكين هو في الواقع خارج حدود التأمين وينتمي لعدة قطاعات فقط.

وأوضح الخبراء المؤلفون أن الودائع في بنكَي سيليكون فالي وسيغنتشر كانت مملوكة لعدد صغير من الأشخاص ذوي التفكير المتماثل بشكل مشابه للبنوك التي كانت تخدم مجتمعات ريفية محدودة في حقبة الكساد الاقتصادي، وكثير من هؤلاء الأشخاص يعملون في القطاع نفسه ويتواصلون بعضهم مع بعض بشكل متكرر. كما فشلت البنوك في السيطرة على الأحاديث والأخبار الشائعة، والتي أدّت بدورها إلى تضخيم مخاطر فوضى البنوك.

وكتب الخبراء في الفيدرالي الأميركي أن بنكَي سيليكون فالي وسيغنتشر "مشابهَين تماماً للبنوك الريفية الصغيرة في الثلاثينيات قبل ظهور التأمين على الودائع"، وذلك من حيث "قواعد ودائعهم المركّزة وغير المغطاة بالتأمين".

التاريخ يكرّر الثلاثينيات

تسببت حالات انهيار البنوك التي وصلت إلى الآلاف في خسائر بقيمة 1.3 مليار دولار للمودعين، وذلك خلال السنوات الأولى من الركود العظيم، وكان من المحتمل أن يتفاقم ذلك الضرر بسبب الافتقار إلى التأمين على الودائع، إذ كان عملاء البنوك الأفراد أكثر عرضة لسحب أموالهم من البنك عند ظهور أولى علامات المتاعب.

وورد على الموقع الإلكتروني للمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع على الإنترنت أنّه "قبل أن تبدأ المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بالعمل، كانت الطلبات النقدية الضخمة من المودعين الخائفين هي غالباً الضربة القاضية للبنوك التي كانت ستنجو بخلاف ذلك". وركّز العديد من تلك البنوك قبل انهيارها على المجتمعات الريفية إذ كان أغلب المودعين سكّاناً محليين ويعملون في القطاع الزراعي.

وعلى الرغم من أن بنكَي سيليكون فالي وسيغنتشر لم يستهدفا المزارعين في المدن الصغيرة تماماً، فإن الخبراء في الفيدرالي الأميركي قد أشاروا إلى أن المودعين كانوا أيضاً أفراداً من مجتمعات مغلقة ومتماسكة في قطاعات مثل التمويل والتكنولوجيا والقانون.

وكتبوا: "كان لدى كلٍّ من بنك سيليكون فالي وبنك سيغنتشر قاعدة مودعين تبدو محلية، إذ يُقال إنه كانت ثمة تعاملات تجارية معتادة بين المودعين، فقد تواصل مودعو بنك سيليكون فالي بعضهم مع بعض من خلال شبكات رأس المال المغامر (الجريء) وارتبط مودعو بنك سيغنتشر مع بعضهم بعضاً من خلال شبكات شركات المحاماة".

ورسّخ بنك سيليكون فالي نفسه قبل انهياره بصفته البنك المفضل لنخبة الشركات الناشئة وقطاع رأس المال المغامر (الجريء) في كاليفورنيا، إذ تعامل ما يقرب من نصف الشركات الناشئة المدعومة برأس المال المغامر (الجريء) الأميركية معه وفقاً للبنك نفسه، وتحوّلت مجازفته الكبيرة بالتركيز على قطاع التكنولوجيا لأزمة كبيرة بعد أن تأثر العديد من عملاء البنك بأزمة تضاؤل رأس المال المغامر (الجريء) خلال العام الماضي، وذلك على الرغم من أن تلك المجازفة قد بدت ناجحة لسنوات مضت.

وواجه بنك سيغنتشر أيضاً مشكلة ناجمة عن تركيز نشاطاته على قطاع معين، إذ كان أحد البنوك القليلة التي توفّر خدماتها لشركات التشفير فقط بعد أن قرّر العديد من البنوك الأخرى إيقاف العمل مع قطاع التشفير في وقت سابق من العام الحالي. وكانت ودائع بنك سيغنتشر أكثر تنوعاً من بنك سيلفرغيت (Silvergate)، وهو بنك يركز بشكل كبير على قطاع التشفير انهار أيضاً في شهر مارس/آذار، لكنّه كان يعتمد أيضاً على العملاء من مجموعة صغيرة نسبياً من القطاعات، بينما ركّز بنك سيغنتشر في الخدمات المصرفية بصورة كبيرة على شركات العقارات والمحاماة.

وتجاوزت معظم الودائع في البنكين حد تأمين المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع والبالغ 250 ألف دولار، وذلك نظراً لأن معظم عملائهما كانوا شركات. وفي الواقع، كانت نسب الودائع غير المؤمَّن عليها في البنكين ضمن أعلى النسب في القطاع المصرفي بأكمله. ومن بين البنوك التي لديها أصول تتجاوز 50 مليار دولار، كان لدى بنك سيليكون فالي أعلى حصة من الودائع غير المؤمن عليها بنسبة 93.8%، بينما احتلّ بنك سيغنتشر المرتبة الرابعة بنسبة 89.3%، وذلك وفقاً لشركة إس آند بي جلوبال ماركت إنتيليجنس (S&P Global Market Intelligence).

ونظراً لأن العديد من المودعين في البنك يعرفون بعضهم بعضاً في سياق العمل، فقد حصلت حالات الذعر المصرفي بين عشية وضحاها تقريباً، إذ نشر أصحاب الحسابات المصرفية الذعر على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلة الفورية مثل منصات تويتر (Twitter) وسلاك (Slack) وواتساب (Whatsapp)، وأرسل بعض مستثمري رؤوس الأموال المغامرة (الجريئة) رسائل جماعية للشركات في محافظهم الاستثمارية يخبرونها فيها بنقل أموالهم من بنك سيليكون فالي "بأسرع ما يمكن"، ما أدّى لتفاقم مخاطر تركيز البنوك على هذا القطاع.

ويعتقد الخبراء في الفيدرالي الأميركي في نيويورك أن فشل البنوك في التواصل والشفافية كان السبب الرئيسي لحالة الذعر المفاجئ، ونصحوا البنوك الأخرى بالتركيز على إدارة الشائعات والأقاويل بشأن المخاطر والتي قد تهدد بتقويض الثقة في المستقبل.

وأوضح الخبراء في الفيدرالي الأميركي في نيويورك أنه ينبغي على البنوك التي تشابه بنكَي سيليكون فالي وسيغنتشر من حيث قواعد العملاء المركّزة والمحلية أن تُتقِن التعامل مع المعلومات والأقاويل لاستعادة الثقة قبل وقوع حالات الذعر المصرفي، إذ إن صحة هذه المعلومات من عدمها لا تلغي إمكانية تقويض السلامة المالية للمؤسسات المصرفية، وذلك بهدف الوقاية من تكرار ما حصل للبنوك الريفية الصغيرة التي فشلت قبل قرن من الزمن.

وقالوا: "كان ينبغي على البنكين، اللذين يشابهان البنوك الريفية الصغيرة في مرحلة ما قبل المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، أن يدركوا تماماً أهمية إدارة المعلومات بشأن ميزانيتهم العمومية. وبالنظر إلى المستقبل، نؤكد في عملنا على أن البنوك بحاجة إلى البقاء على دراية تامة بالمعلومات المتعلقة بمخاطر الميزانية العمومية والتي توفّرها للمودعين وإدارة هذه المعلومات بصورة دائمة، خاصة في أوقات الضغوط المالية".


image
image